يا عباد الله! لو كان الواحد منا يُفكِّر في تلك اللحظة، والله لا تراه يتجرأ على النظر إلى امرأة في جريدة، أو على فتح التلفاز إذا كان فيه منكر، أو يذهب إلى أماكن المنكرات، فلو كان يُفكِّر حقاً في تلك اللحظة، يقول الله -تبارك وتعالى- عنها:{كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}[القيامة:٢٦] * {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}[القيامة:٢٧].
تخيل نفسك والله عز وجل يُخبر عنك في هذه الآية على فراش الموت، ولعل حولك: أبوك، وأمك، وأبناءك، وزوجتك، لعلهم يبكون عليك، لعل ابنك الصغير قد احتضنك وأنت تحتضر، وهو يبكي، ويقول: أبتاه! ما لك لا تجيب؟! وأنت تنظر إلى ساقك ما بالها تيبس؟! ما بال الساق؟ إنها تبرد:{وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً}[النازعات:١ - ٢].
بدأ ملك الموت ينتزع الروح وأنت إلى الآن لم ترجع الأمانات إلى أهلها إلى الآن لم تتت من تلك المعاصي إلى الآن عليك حقوق للناس لم ترجعها إلى الآن لم أتب من النوم عن صلاة الفجر إلى الآن لم أتب عن المعاصي والذنوب إلى الآن يا رب! {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:٩٩ - ١٠٠] وقال تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}[القيامة:٢٦ - ٢٧] ينادي الأب: من يداوي ابني؟ وينادي الولد: من يداوي الأب؟ وتنادي الزوجة: من يداوي هذا الزوج؟ {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}[القيامة:٢٧ - ٢٨] إنه يعلم ومتيقن أنه سوف يُفارق هذه الدنيا البيت إلى الآن لم يكمل أثاثه والسيارة لم يشترها إلى الآن قد حجز التذاكر لكنه لم يسافر إلى الآن هو في السنة الأخيرة من الدراسة ولم يأخذ الشهادة إنه يستعد للزواج إنه ينتظر الولد إلى الآن لم يتم نعيمه في الدنيا {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}[القيامة:٢٨ - ٣٠].
يقول عليه الصلاة والسلام:(أكثروا من ذكر هادم اللذات) أكثر -يا عبد الله- فإن الدنيا لا تساوى شيئاً، ملايينك لم تستفد منها شيئاً، والله إن هذه الأموال وهذه الدنيا والبنون والأهلون لن ينفعوك بشيء، فكل شيء يذهب ويبقى العمل الصالح، فعليك أن تتفكر في هذه اللحظة وعندها والله لا تتجرأ على الذنوب.