للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال السعداء في الجنة]

ماذا ترى يا عبد الله؟ (ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ما الذي تراه؟ لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها الذي بينها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبئس، يخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم، وصدق الله: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} [الإنسان:٢٠] ترى أنهاراً فيها، كنت تسمع عنها، إذا دخلتها تراها بأم عينك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأى نهراً في الجنة فسأل ما هذا النهر؟) نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، طينه مسكٌ أذفر تلج عليه طيور أعناقها كأعناق الجزور، ينظر إليها، ما هذه الطيور؟ ما هذا النهر؟ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:١] نهر الكوثر وغيره أنهار {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:١٥] غير آسن أي: لا يتغير طعمه، ولا لونه، ولا رائحته {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:١٥] تخيل نهرٌ من لبن؟! {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:١٥] تخيل لذة للشاربين {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:١٩] {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:١٥] أنهارٌ من عسل مصفى تجري لا كعسل الدنيا.

عيونٌ في الجنة تفجر {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:٦٦] فيها {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:٥٠] {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:٥ - ٦].

قصورٌ وغرفٌ وخيام في الجنة {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الزمر:٢٠] (للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة طولها ستون ميلاً) تخيل عبد الله! تدخل خيمة في الجنة طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون لا يرى بعضهم بعضاً {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} [الإنسان:١٣] إذاً من أين تأتي الأنوار؟ يقول شيخ الإسلام: نور يظهر من قبل العرش، نور يأتي من عرش الرحمن.

فيها أشجار {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} [الواقعة:٢٧ - ٢٨] لا شوك فيه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:٢٩ - ٣٠] للراكب يسير في ظلها مائة عامٍ لا يقطعها {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:٣١ - ٣٣]

الأشجار، تجلس على الفرش فتأتيك ثمارها وأنت جالسٌ على السرير {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:٥٤] إستبرق: حرير {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:١٤] تجلس على السرير فإذا بالثمار تأتيك لتقطفها، لا تقوم من فراشك لتقطفها.

آنيتهم:

{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الإنسان:١٨ - ١٩] وأنت جالسٌ على الفرش يأتيك الولدان المخلدون {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الواقعة:١٨] ولدان {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:١٩].

لباس أهل الجنة:

ما لباسهم؟ {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج:٢٣] يلبسون الحرير، يلبسون الذهب، يلبسون الفضة، يلبسون اللؤلؤ، يجلسون على الفرش {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية:١٣] {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:٧٦] يجتمعون وهم في لهوهم وهم في طعامهم، وهم يأكلون ويشربون، يجتمعون بعضهم مع بعض يتحدثون {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٢٧] {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:٢٦] كنا نخاف من النار في الدنيا، كنا نخاف من عذاب الله {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٦ - ٢٧]

يذهبون إلى سوقٍ وهو سوق الجمعة أتعلمون ما ذلك السوق؟ (إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم -لا يشترون إنما الريح تحثوا في وجوههم وثيابهم- فيزدادون حسناً وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالا، فيقول أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالًا، فيردون عليهم: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، وذلك كل جمعة).

لهم في الجنة نساء حور أتعلم ما هي الحور؟ نساءٌ بياض عينها قد اشتد بياضاً، وسواد عينها قد اشتد سواداً، وسعة عينها قد اتسعت {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٢ - ٢٣] يا من استبدل نساء الجنة بنساء الدنيا! يا من كان ينظر في الدنيا إلى النساء في الأسواق، وفي التلفاز، وفي الجرائد، وفي الصحف، ويتمتع بهن، أيستبدل نساء الجنة بهن، انظر إلى نساء الجنة {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:٣٥] أنشأهن الله {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:٣٦] أي: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:٧٤] {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:٣٧] متقاربات في السن {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:٣٨].

أتريد أن تعرف صفاتهن {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٦ - ٥٨] تنظر إليهن كأنهن الياقوت والمرجان، وصفهن الله فقال عنهن: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:٧٠] وصف جمالهن فقال: {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:٧٠] قال صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض -اطلعت فقط- لأضاءت ما بينهما - بين السماء والأرض- ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها -خمارها- خيرٌ من الدنيا وما فيها) وهم في ذلك الموقف يتمتعون بالنساء، يعطى أحدهم قوة مائة رجل ويتمتعون بالثمار {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:٢٠] يتمتعون باللحوم {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:٢١] يشربون من أنهار خمر وعسل ولبن وماء ونهر الكوثر، ويتزاورون ويمرحون، يقول الله عز وجل في ذلك الموقف يناديهم: (يا أهل الجنة تريدون شيئاً أزيدكم؟) {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] ماذا فوق الجنة؟ ما هي الزيادة؟ أفوق الجنة زيادة؟! فيقولون لربهم: (ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار) أفوق هذا النعيم نعيم؟! أبعد تلك الأنهار نعيم؟! أبعد الحور العين نعيم؟! بعد الثمار، والخيام، والقصور، والأشجار، أبعد اللؤلؤ، والحصباء، والياقوت، بعد كل هذا نعيم؟! (أتريدون أن أزيدكم؟ فيكشف ربنا عن الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم فينسون به نعيم الجنة كله) {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] حسنة، لقد نظرت تلك الوجوه، فاستنارت عندما نظرت إلى ربها {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته) {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] تنسى بذلك نعيم الجنة كله.

اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.