للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الفراغ وخطره]

السؤال

كثير من الشباب في أيامنا هذه نجدهم يجلسون ويسمرون على معصية الله ورسوله بين شرب الدخان والشيشة، وكذلك يسألون عن حكم الدخان والشيشة والقات، فنرجو توجيه نصيحة لهؤلاء الناس وربما تكون شبهتهم أنه ليس عندهم ما يفعلونه وإنما وقت فراغ؟

الجواب

أرجو المعذرة، أنا أرد على الإخوة الذين يسمونهم الناس غير ملتزمين مثلاً، أو يسمي نفسه أنه إنسان عادي لا مطوع ولا فاسد الحمد لله! أصلي وأجلس في هذه المقاهي بعض الأحيان، والمباريات، وأطالع التلفاز مرة وأترك مرة، وبعض هؤلاء الصنف من الناس ينظرون إلي الآن، ويقول: هل يقصدني الشيخ؟ نعم أقصدك، أقصدك أنت.

أسألك بالله يا عبد الله! أنت الآن رجل -إن شاء الله مسلم- وتقول: لا إله إلا الله، ولم تأتِ إلى هذا المسجد إلا لأنك غير الشباب الآخرين، وفيك إيمان، وفيك حب لطاعة الله، وإلا لما جئت إلى هذا المسجد أحدثك وأوجه إليك هذه الكلمات:

هل تعلم ما الذي يجري الآن للمسلمين في العالم؟ أسألك بالله! هل تدري أن أخوات لك -يا عبد الله- تنتهك أعراضهن ولا نصير لهن في الدنيا إلا الله جل وعلا؟

هل تعلم ما الذي فُعل بأخواتنا قبل سنوات في سراييفو أو الشيشان أو الصومال أو جنوب أفريقيا أو شرق آسيا أو الفلبين أو كشمير هل سمعت بأخواتنا ما الذي حدث لهن؟

هل سمعت يوماً من الأيام أن بعض أخواتنا كانت تحمل في بطنها رضيعها فبقر بطنها ثم أخرج ولدها وهي حية ورمي به في أكياس القمامة وهي تنظر إليه يموت؟ هل سمعت بهذا يا عبد الله؟

أسألك بالله: هل هذه الحالة التي نحن فيها في الشيشة ساعتين وثلاث ندخن نتحدث في أمور الدنيا، هل يرضيك هذه الحال؟ المسلمون في ذل وقهر واستعباد، حتى شئوننا الداخلية يتحكم فيها البيت الأبيض والكونجرس، أليس هذا بصحيح؟ حتى إن إسرائيل خمسة ملايين ما تعدو بصاقاً لعربي في هذه البلاد، تعيش بين ألف مليون مسلم، الخمسة تعادل ألفاً، ولا يستطيع الألف مليون أن يجابهوها هل رأيت الذل الذي نحن فيه يا عبد الله؟ ألا تأخذك الغيرة على هذا الدين؟ ألا يدخل في قلبك الحماس أين المسلمون؟ لماذا هذا الذل الذي نحن فيه؟ أين الرجال؟

هذا أحد السلف وقف على المحيط الأطلنطي -وكان عمره لا يجاوز خمسة وعشرين سنة- وبيده السيف، وهو يركب الفرس، فتح شمال أفريقيا كلها حتى وصل إلى الأطلسي ودخل بقوائمه على البحر، ثم قال: والله لو أعلم أن خلف هذا البحر قوماً لخضته بفرسي هذا.

ما كان يعلم أن هناك أقواماً.

جعفر الطيار يحمل الراية بيده اليمنى ثم تُقطع فيحملها بيده اليسرى فتقطع، هل هرب وقال: قطعت يداي لا.

فمسك الراية بعضديه، ثم تكسرت الرماح على ظهره وهو يتلفظ أنفاسه الأخيرة، ويقول:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وباردٌ شرابها

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول للنصارى -نسميهم اليوم الأوروبيين المتحضرين والمسيحيين أو إخواننا في الإنسانية كما يقولها بعض المتأقلمين-:

والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها

أسمعت بابني عفراء؟ شابان صغيران يأتيان إلى عبد الرحمن بن عوف في معركة بدر؛ أول معركة للمسلمين، يغمزه عن يمينه فيلتفت عبد الرحمن بن عوف - أيها الشباب! يا من ضاع وقته في الشيشة والدخان، وبين الأغاني والطرب، هل استفدت شيئاً؟ لا أظن، أظن أن بعضكم فيه من الغيرة على الإسلام أكثر ممن هو معتكفٌ في بيوت الله، نحتاج إلى هذه الغيرة نحتاج إلى حماسك يا عبد الله نحتاج منك إلى كلمة نحتاج منك إلى مال إلى دينارٍ واحد، لربما -ما يدريك- ينصر الله الإسلام على يديك، لم لا تقولها في نفسك؟ لماذا لا تقول: لم لا أكون أنا الذي يفتح الله على المسلمين بي؟ لم لا تقل هذه الكلمات ما الذي يردك؟ وسوف يأتيك بأخبار في هذه العصور- هذا الشاب غمز عبد الرحمن بن عوف فالتفت عبد الرحمن بن عوف فقال له هذا الشاب: أين أبو جهل؟ أي: مثلما يقول الآن واحد منا اليوم في معركة ما: أين نتنياهو؟ أين زعيم الكفر؟ فقال له هذا الرجل: وما شأنك وشأنه يا بني؟ طفل صغير، قال: سمعت أنه يسب رسول الله، فوالله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا.

هل رأيت هذا الحب لرسول الله؟ هل رأيت مثل هذا الحب الآن عند المسلمين؟ اليهود الآن يدنسون المسجد الأقصى أولى القبلتين، صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يدنسوه ويحرقونه ويحفرون تحته ليهدموه، والمسلمون في المباريات ساعتين وثلاث ساعات يصفقون ويزمجرون هل رأيت يا عبد الله؟ يريدون أن يدخلوا في قلوبنا الغيرة، أصبح العداء لإخواننا في الإسلام لأجل المباراة، يعادي هذا الشعب كله لأجل مباراة حقيرة تافهة، الحكم فيها لعله التحريم إذا وصل إلى هذا الأمر.

يقول عبد الرحمن بن عوف: تعجبت! فإذا بشابٍ آخر يغمزني عن شمالي فقلت له: ماذا تريد يا بن أخي؟ قال: يا عم! أين أبو جهل؟ قال: وما شأنك وشأنه يا بني؟ قال: سمعت أنه يسب رسول الله فوالله لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، قال: وبعد أن حمي الوطيس وحميت المعركة قلت لهما: هذا صاحبكما، يقول: فوالله لقد انقضا عليه كما ينقض الصقر على الفريسة - أبو جهل صنديد من صناديد العرب، رجل لا يجابهه الرجال- يقول: انقضا عليه كالصقر إيمان جعلهما كالرجال، يقول: فلا زالا يضربانه حتى قتلاه، أردوه صريعاً، ثم ذهبا إلى رسول الله، كل واحد منهما يقول: يا رسول الله أنا قتلته، وهذا يقول: لا.

أنا قتلته، يفتخران عند رسول الله أن كل واحد منهما قتل صنديد الكفر.

وأنت جالس ساعتين وثلاث في مقهى يا عبد الله! الإسلام يحتاجك يا عبد الله! الإسلام يناديك يا عبد الله! شعوب المسلمين تُذل من يحكمها؟ من يدير أمرها وشئونها؟ ألف مليون غثاء كغثاء السيل قد أوهن قلوبهم حب الدنيا وكراهية الموت.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.