[العبرة المأخوذة من قصة صالح عليه السلام]
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام، ما الذي جرى لقوم صالح؟!
لقد أنعم الله عليهم بالنعيم الكثير، والأمن، والطمأنينة، والرفاهية، والأموال، والذهب، والفضة؛ ولكنهم وللأسف نسوا أمر الله، حتى أوحى الله عز وجل إلى صالح أن يذكِّرهم ألا تنسوا عذاب مَن كان حولكم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} [الأعراف:٧٤] أي: جعلكم الله أحياءً وقد أهلك القرى مِن حولِكم، ألا ترون مَن حولَكم كيف يُعذَّبون! وكيف يُهلَكون! وكيف يموتون جوعاً! وكيف يُهلَكون بالعذاب! وأنتم في أمن ونعيم وطمأنينة؟! {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً} [الأعراف:٧٤] أي: فتذكَّروا نعيم الله؛ ولكنهم عصوا أمر الله، وردوا دينه، وعصوا رسله، واتبعوا الشهوات والملذات.
فهاهم قوم ثمود يكفرون بالله!
وهاهم قوم لوط يأتون الفاحشة؛ يأتون الرجال من دون النساء!
وهاهم قوم شعيب يطففون المكيال والميزان!
وهاهم بعض هذه الأمة يَجْمَعون معاصي الأمم كلها:
فهم ينشرون الربا، ويبارزن الله عز وجل به!
وهاهم ينشرون الفواحش في كل طريق!
وهاهم يتركون أمر الله، ولا يحكمون شرع الله!
وإن مرض مريضهم لجئوا إلى غيره جل وعلا!
وإذا أصابتهم مصيبة دعوا غيره سبحانه وتعالى، واستعانوا بسواه جل وعلا!
وهاهم قد جمعوا ذنوب الأمم السابقة كلها!
وقد توعَّدهم عليه الصلاة والسلام بالخسف، والقذف، والمسخ، كما حصل للأمم السابقة.
عباد الله! بعد أن أهلك الله قوم صالح جاءهم صالح عليه السلام، ونظر إلى القرية، وإلى أبناء عمومته، وإلى أهليه وأقربائه، وكلهم صرعى جاثمون، وكلهم هلكى في بيوتهم، فأخذ يكلمهم: سبحان الله! صالح يكلمهم وهم يسمعونه وهم أموات يسمعون صالحاً، أتعرفون ماذا قال لهم؟!
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٧٩] أي: فلا تلوموني، فقد نصحتكم، وذكَّرتكم، وأمرتكم، ونهيتكم، وقرأت لكم آيات الله، وحذَّرتكم من الشرك والفواحش، وحذرتكم من ترك أمر الله، واجتناب نهيه {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٧٩]!
يا قومِ إياكم أن تلوموني، نعم.
أنا ابن عمكم، وأنا من قريتكم وقبيلتكم {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٧٩]!
عباد الله! إن المجرمين في قوم صالح تسعة؛ ولكن الله أهلك بسببهم خمسة آلاف بيت، قال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:٥٠ - ٥١] لِمَ يا رب، القوم أجمعين؟! لِمَ يا رب، أهلكت الناس كلهم؟!
لأنهم سكتوا عنهم، لأنهم رضوا بفعلهم، وما أخذوا على أيديهم، فأغرقت السفينة بمن فيها.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:٥١] وانظر إلى القرية، وإلى القبيلة، وإلى القوم! {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا} [النمل:٥٢] حتى إنك إذا مررت بها في هذا الزمن، فوالله الذي لا إله غيره! لكأنك تظن القوم قد هلكوا في الأمس القريب، وإذا مررتَ بهم فلكأنك ترى أثر اللعنة تنزل، وإذا مررت بديارهم فكأنك تسمع صياحهم، عبرةً لمن بقي من الناس، وعظة لمن يأتي مِن بعدِهم.
عباد الله! هذه القصة لا تمر بنا تسلية، ولا قضاءً للأوقات، إنما هي عبرة للأمم، وإنما هي موعظة للأجيال؛ حتى يتذكروا.
إذا عصوا الناس أمر ربهم، وجاهروا بالمعصية، وظهر فيهم الربا، والزنا، وعطَّلوا شرعه جل وعلا، ودعوا غيره، فليعلموا وليبشروا بعذاب الله جل وعلا يصيبهم كما أصاب مَن قبلَهم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.