[طلاب العلم هم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم]
أتعرف أن طلبة العلم وصى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وصى أصحابه بطلبة العلم من بعده، قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عندما جاءه طلبة الحديث: [مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم] فقد وصى قبل موته بهؤلاء الطلبة؛ طلبة العلم، طلبة الحديث، ما هم بطلبة نوم، ولا طلبة الأكل والفراغ واللعب واللهو والضَّياع، إنما وصى بطلبة العلم وطلبة الحديث قال: [مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بكم] كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بطلبة العلم.
أيها الأخ: اطلب العلم فسوف يأتي عليك يوم يرفعك العلم إلى أعلى عليين، ولا تطلب هذا العلم لأجل هذه المنزلة، ولكن اعلم أن العلم سوف يرفعك بين الناس، قال أبو معاوية الضرير وهو أحد العلماء، وكان ضريراً، أي: أعمى البصر؛ لكن الله عزَّ وجلَّ أنار قلبه يقول: أكلتُ مع الرشيد يوماً -وهو خليفة المسلمين، وكان الخلفاء في السابق يحترمون العلماء، ويُعطونهم قدرهم- يقول: أكلتُ مع الرشيد يوماً، ثم صب على يدي رجل لا أعرفه -ليغسل يده- يقول: ما أعرف من هو هذا الرجل، ثم قال الرشيد: أتدري من يصب عليك؟ قلتُ: لا.
قال: إنه أنا، وذلك إجلالاً للعلم.
يقول الخليفة: أنا أصب على يديك الماء ليس لأجلك، ولكن لأجل العلم الذي تحمله.
فانظروا إلى العلم كيف يرفع صاحبه!
أتعرفون من هو الأعمش؟ ما هناك طالب علم إلا وسمع به، وقد مر على وفاته إلى الآن قرون عديدة، وإلى الآن يُذكر على الألسنة، ويُترحم عليه، ويُستفاد من علمه يقول الأعمش: لولا القرآن لكنت بقالاً يقذرني الناس أن يشتروا مني.
ولكن العلم رفعه!
وهذا عطاء بن أبي رباح، كان عبداً لإحدى نساء مكة، عبد يباع ويشترى، أنفه أفطس، شكله إن نظرتَ إليه تستقبحه، ثم أصبح مولى لـ ابن عباس يذكر عنه أنه رجع إليه أهل مكة كلهم في الفتوى، لا يستفتون أحداً في مكة إلا عطاء بن أبي رباح، حتى إن أبا حنيفة كان يستفيد منه يقال عنه: أنه كان يجلس في المجلس، فيأتيه الطلبة ويجلسون عنده، ويقولون: كنا نهاب أن نسأله حتى يتنحنح، فإذا تنحنح بدأنا نسأله.
وذلك من هيبته، واحترامه هذا الذي كان عبداً يباع ويشترى، ثم تعلم العلم فرفعه الله عزَّ وجلَّ.
وانظروا إلى العلماء في هذا الزمان كيف يُترحم عليهم، ويُدعى لهم، وإذا مات أحدهم انظروا كيف تقوم الدنيا ولا تقعد!
قدم هارون الرشيد الرقة -إحدى المناطق- فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتركوه وقد تقطعت النعال وارتفعت الغبرة تخيلوا هذا الموقف، قدم هارون فاجتمعوا حوله، فلما ظهر عبد الله بن المبارك ذهبوا كلهم خلفه، والغبار يعلو، والنعال تتقطع، ما الذي حصل؟ ما الذي جرى؟ قالوا: فأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج الخشب -وهي زوجة هارون الرشيد - فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: هذا عالم خراسان قدم الرقة، يقال له: عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان.
إي والله، لا ملك الوزراء والأمراء والملوك والأغنياء، الذين يمشون بحرس وبعسس، بل إن بعضهم لا يسَلَّم عليه إلا لمصلحة ولا يصافَح إلا طلباً للمصلحة، ويتمنى من حوله زواله، أما أهل العلم فقد كان بعضهم تُقَبَّل يدُه وكان الإمام البخاري، أثناء الحلقة يقوم ويجلس، ثم يقوم ويجلس، ثم يقوم ويجلس، فسئل: ما بالك؟ قال: نظرت إلى باب المسجد -وكان الصبيان يلعبون- وكلما مر صبي قمت وجلست.
قالوا: من هذا الصبي؟ قال: هذا ابن شيخ كان يدرسني.
فكان كلما مر الابن قام احتراماً لأبيه، الله أكبر!
انظروا كيف رفع الله شأنهم! إذاً: العلم يرفع شأنك ولو كان الناس يستقبحونك.
قال الإمام الشافعي -وهي حكمة عظيمة لعلك تستشعرها- قال: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه.
فكل علم له فائدة وثمرة، حتى الحساب، فإنه يجزل رأيك به، وتكون صاحب رأي.
أيها الإخوة: إن العلم -كما قلنا- أفضل من العبادة، فهو أفضل من صلاة النافلة، وأفضل من صوم النافلة، وأفضل حتى من جهاد التطوع قال الحسن رحمه الله: لأن أتعلم باباً من العلم فأُعلِّمه مسلماً أحب إلي من أن تكون لي الدنيا كلها في سبيل الله.
أي: لأن أقرأ باباً وأُعلِّمه مسلماً أحب إلي من أن أنفق جميع الدنيا في سبيل الله.