[حلم والدة ولؤم ولد]
واسمع إلى هذه القصة، التي لولا أنها ذكرت في جريدة وتواترت على ألْسنة بعض الناس -والله- ما ذكرتها ولا قصصتها ولا كنت أظن أن من الناس من يفعل هذا، وسوف أتصرف في ذكرها فاسمعها -يا عبد الله- وعها لتعلم أن هذا الشر مستطير، وأن هذا الفعل يوشك أن يؤذن لهذه المجتمعات بالعقوبة، وأن ينزل الله عز وجل عليها عذابه، بسبب ما يفعله كثير من الناس.
يقول الراوي: إنه خرج مع أسرته إلى شاطئ البحر، فلما وصل -هو وعائلته- يقول: رأينا عجوزاً على بساط على الشاطئ لوحدها، يقول: فجلسنا على الشاطئ، فتعشينا في الليل، يقول: ثم بعد العشاء تسامرنا، وأخذنا نلهو ونتحدث حتى حلَّ منتصف الليل، يقول: وأردنا الرجوع، فلما أردنا الرجوع قلت في نفسي: سبحان الله! ما بال هذه العجوز جالسة لوحدها؟! لم يأتها أحد، ولم يقربها أحد، يقول: فلما قفلنا جئتها، فقلت لها -اسمع إلى هذا الخبر، واسمع إلى هذا العقوق- فقلت لها: يا أماه! خيراً إن شاء الله، أنت لوحدك وليس معك أنيس ولا جليس، فقالت هذه العجوز: إن ابني أتى بي إلى هنا، وقال لي: أن عنده عملاً سوف يذهب إليه ثم يرجع.
فقال لها: يا أماه! الوقت متأخر فهلا رجعت معنا؟ قالت: لا.
سوف أنتظر ابني ولو تأخر، فقد أخبرني أنه: سوف يتأخر وسوف يرجع.
قال: يا أماه! لكن الوقت متأخر جداً ولا أحد في هذا المكان.
قالت: لن أرجع حتى يرجع ابني، وعدني أنه سوف يرجع، وأعطاني هذه الورقة.
قال: وما هذه الورقة؟ فقالت: اقرأها تعرف ما فيها.
فقرأتها فإذا في هذه الورقة: يرجى ممن يقرأ هذه الورقة أن يأخذ العجوز إلى دار الرعاية.
لعن الله من لعن والديه، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من لعن والديه، فهذه في الكلمات فكيف إذا كانت في الأفعال؟! يرميها على شاطئ البحر ويقول: يرجى ممن عثر على هذه العجوز أن يأخذها إلى دار الرعاية.
اسمع هذه الأم، والشاعر يتكلم بلسانها، وكأنها تقول:
لا تسبوا ولدي ما كنت رغم الغدر خصمه
لا تسبوه مهما فعل.
إن لي في قلبه حباً وليس الحب تهمه
هو طفلي وأنا أضمنه مذ كان لحمه
هو في الليل سميري وأنيسي في الملمه
فإذا خاف سكبت الأمن كي أذهب همه
وإذا عاد تداعيت له صوتاً ونغمه
فأناغيه بلحن وأناجيه بكلمه
ولدي ما عقني بل فعله بر ورحمه
جاء بي للبحر كي أنعم في رمل ونسمه
فدعوه ولا تسيئوا الظن فيه بالمذمه
واذهبوا للدار بي ما الدار للأبناء وصمه
غاب عني لم يغب إلا لأمر قد أهمه
هو مشغول وللمشغول أعذار وحرمه
وسيأتي ولدي للدار إن أنهى المهمه
ولدي أعرفه من ذا الذي ينكر أمه
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:٢٣ - ٢٤].
أهذا هو جناح الذل أن ترميها في دار الرعاية؟!
أهذا هو جناح الذل أن ترميها على البحر؟!
أهذا جناح الذل أن تطردها لأجل الزوجة؟!
أهذا جناح الذل أن تتركها في البيت لوحدها، وتذهب مع زوجتك لبيت فاخر، وتسكن مع الزوجة، وتلهو مع الأولاد، وقد تركتها بين أربعة جدران؟!
أهذا هو البر أم هذا هو العقوق بعينه يا عبد الله؟! (رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما فدخل النار).