[فتنة القبر والسؤال فيه]
عبد الله! هو على الأكتاف الآن محمول، فما أن توضع روحه في تلك الحفرة المظلمة الضيقة التي لا يستطيع أحدنا أن يتحمل منظرها إلا وعينه قد فتحت، وزال القطن من على عينيه، وأصبح يسمع الناس فوق القبر، قد دفنوه ولربما يرشون الماء الآن على قبره، ولربما الآن كل واحد منهم يعزي جاره وأخاه، يستمع إليهم والأقدام تمشي على القبر، يستمع إلى قرع نعالهم، فيُجلس في قبره، أتعرف من يجلسه؟ ملكان أسودان أزرقان، ينتهرانه، يدفعانه ويجلسانه في تلك الحفرة الضيقة، كيف؟
إن المؤمن الذي يؤمن بالغيب يؤمن بكل هذا، ولو حفرنا ما وجدنا هذا كله، ولكنه غيب في علم الله جل وعلا يحدث حقيقة، يُجلس فيقال له: مَن ربك؟ من شدة الخوف يقول: هاه هاه لا أدري، كان يعرفه في الدنيا لكن نسي.
ما دينك؟ هاه هاه لا أدري.
ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ هاه هاه لا أدري.
ما كان يعرف شيئاً عن الإسلام، ما كان يلتزم بحدوده ولا يأتمر بأوامره، سنته عليه الصلاة والسلام كان يستهزئ بها، كيف يجيب؟! أم كيف يقول أنه هو محمد رسول الله وهو كان لا يدري عنه شيئاً؟!
يقول: هاه هاه لا أدري.
فيقول الملك له: هو محمد رسول الله فأجب بها فيقول: كنت أسمع الناس يقولون كلاماً فأقول مثلهم، كنت أسمع أهل المساجد، كنت أسمع أهل الدين، كنت أسمع الصالحين الذين يلتزمون على الأقل بالصلوات الخمس يقولون: هو محمد رسول الله، كنت أقول مثلهم، أما في قلبي فلا شيء، فإذا به يسمع صوت مناد ينادي: أن كذب عبدي، -نتيجة الاختبار الأول- أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيؤتى بمطرقة
عبد الله! الأمر حقيقة، وما ندري لعلها لحظات ويبدأ هذا اليوم، وما ندري لعلنا لا نرى الشمس تغرب علينا.
عبد الله! فيؤتى بمطرقة يضرب بها رأسه، لو ضرب بهذه المطرقة جبل لصار تراباً، ثم يعاد الجسد مرة أخرى، ثم يضرب بالمطرقة مرة أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل من حول القبر إلا الجن والإنس، ولو سمعه الجن والإنس لصعقوا، حتى جاء في الحديث: (أن حماراً أو بغلة مرت على قبر فإذا بها تحيد وتفر من القبر فأخبرهم عليه الصلاة والسلام أنها تسمع أهل القبر يعذبون) ولو سمعها الجن والإنس لما دفنوا موتاهم.
عبد الله! يصيح صيحة يسمعه كل من حول القبر، ثم بعدها يفتح له باب إلى الجنة فيقال له: انظر إلى قصرك انظر إلى الأنهار انظر إلى الحور العين انظر إلى هذه الأشجار والثمار انظر إلى هذا النعيم هذا لك لو أطعت الله لو قضيت هذه الخمسين سنة أو الستين سنة القليلة التي لا تساوي شيئاً في طاعة الله لكان هذا لك، فيُغلق الباب، ثم يُفتح له باب إلى نار تلظى {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:١٥ - ١٦] أتعرف ماذا يحدث للإنسان؟! الحر يفصل اللحم عن العظم عن الجلد فكيف بنارها؟! {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} [المعارج:١٦ - ١٧] تدعو من يذكر بالله فيُدبر، ومن يجمع المال فيتولى، تدعوه وتناديه وتقول: هل من مزيد؟ فإذا بريح النار وإذا بسموم النار وإذا بعذاب النار يأتيه وهو في القبر.
ثم بعدها يرى رجلاً قبيح المنظر، منتن الريح، قبيح الثياب فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث، أنا ترك الصلاة، أنا فلانة التي كنت تتصل بها، أنا ذلك المنكر الذي تشربه، أنا تلك الليالي الحمراء، أنا تلك السفرات الفاضحة، أنا تلك الليالي الفاسدة، أنا هذه المعاصي التي كنت تفعلها، فوالله ما علمتك إلا بطيئاً لطاعة الله
فلان عندنا درس بطيء!
يا فلان! تعال صلِّ، يصلي لكن ببطء، فلان نقرأ القرآن، يأتي ولكن بثقل.
سريعاً في معصية الله.
سمع بسفرة، بسهرة، بأغنية، بطرب، بممثلة، بداعرة يأتي بسرعة ولا يتأخر، سريعاً في معصية الله.
إذا به ينظر إليه فيقول: رب لا تقم الساعة، رب أكون في هذا المكان في الحفرة الضيقة المظلمة مع هذا الذي هو منتن الريح والوجه، أكون معه ولا تُقِم الساعة، أتعرف لمه؟ لأن الساعة أدهى وأمر.