أولاً: يا عبد الله! اسمع إلى هذه المقامات بينك وبين الله، إذا أردت أن تكون عبداً وتذل لله عز وجل بالعبودية فلا بد أن تستشعر عظمة الله جل وعلا من هو الله؟ قدَّر عظمته، ولن تستشعر عظمة الله جل وعلا إلا بعد أن تعلم صفاته جل وعلا، قال الله تعالى عن نفسه وعن صفاته:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الزمر:٦٧].
أرأيت إلى الأرض بجبالها وأنهارها وبحارها وبما فيها! كلها يقبضها الله عز وجل يوم القيامة، بل أرأيت إلى هذه السماء! أتعرف كم بينها وبين السماء التي تليها؟ خمسمائة عام، ثم السماء التي تليها خمسمائة عام، وهكذا سبع سماوات يطويها الله كطي السجل للكتب بيده جل وعلا، بل يقبض السماوات والأرضين ويهزهن ويقول:(أنا الملك أنا الملك أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟).
انظر إلى عظمة الله عندما تكون لوحدك في البيت، وتدعوك نفسك للنظر لامرأة، أو استماع أغنية، أو تقوم لأذان الفجر ثم ترجع وتنام، أتعرف من تعصي يا عبد الله؟
قال بعض السلف:"لا تنظر لصغر المعصية لكن انظر إلى عظمة من عصيت" تعصي الرب الجليل جل وعلا، اسمع إلى عظمته وهو يخاطب موسى:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:١٤٣] يا رب! أريد أن أنظر إليك، اشتاق لرؤية الله جل وعلا، والله عز وجل لا يرى في الدنيا لكنه يراه المؤمنون في الجنة:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٣]، فقال:{رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:١٤٣] أي: يا موسى! في الدنيا لن تراني: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ}[الأعراف:١٤٣] وكان في ذلك المكان جبل عظيم جداً، قال: انظر إلى الجبل يا موسى! {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}[الأعراف:١٤٣] قال: سوف أتجلى -يا موسى- للجبل، فإذا تحمل الجبل فسوف أتجلى لك يا موسى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف:١٤٣] أي: نزه الله سبحانه عن كل شيء لما رأى الجبل صار دكاً على الأرض، يقول عليه الصلاة والسلام:(تجلى الله للجبل قدر هكذا وأشار برأس إصبعه) فصار الجبل دكاً أرأيت عظمة الله!
انظر -يا عبد الله- إلى السماوات السبع العظيمات أتعرف كم قدر هذه السماوات السبع بالنسبة للكرسي؟! أتعرف ما هو الكرسي؟ {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}[البقرة:٢٥٥] يقول ابن عباس: [هو موضع قدمي الرب جل وعلا] ولله جل وعلا صفات حقيقية ثابتة نثبتها كما أثبتها عليه الصلاة والسلام، صفات حقيقية نعقل معناها لكن لا نعقل، كيفيتها قال ابن عباس:[الكرسي موضع قدمي الرب] أريد منك -أخي الكريم- أن تتصور هذا الأمر، هذه السماوات السبع العظيمة بالنسبة للكرسي كحلقة ملقاة في صحراء، هذه الحلقة هي السماوات السبع وهذه الصحراء هي الكرسي، أرأيت المقارنة والفرق!!
ثم يا عبد الله! هل تعلم نسبة الكرسي بالنسبة للعرش، الآن تصور الأمر هذا الكرسي بالنسبة لعرش الرحمن كحلقة في صحراء، هذه الحلقة هي الكرسي، والصحراء هي العرش:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] سبحانه وتعالى على العرش استوى استواءً حقيقياً يليق بجلاله جل وعلا: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩] يعلم ما توسوس به كل نفس، بل ما تسقط من ورقة إلا ويعلمها جل وعلا، أعلمت الآن عظمة الله جل وعلا؟!
هل تصورت -يا عبد الله- هذه العظمة ثم بعدها تسأل نفسك: الواحد منا يعصي الله فإذا دخل أحد الناس ترك! أمام الناس لا يعصي لكن إذا خلا بينه وبين نفسه بدأ يعصي الله جل وعلا أتعرف من تعصي؟