للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرور الأيام يفني الأعمار]

كل يوم يمر يأخذ بعضي يورث القلب حسرة ثم يمضي

يذهب يوم بعد يوم، وتذهب ساعة بعد ساعة، ويضيع العمر وأنت نائم لا تشعر في أيام المدرسة كنت تقضي ست ساعات في الدراسة، والآن لقد أتت العطلة فماذا تفعل في الست الساعات هذه؟

هل وضعتَ لك هدفاً؟ هل وضعتَ لك برنامجاً؟ وغير الست الساعات كنت تدرس وتحل الواجبات، وكنت تذهب إلى المدرسة وترجع من المدرسة، وكنت تذاكر للاختبارات هذه الأوقات كلها ذهبت، وأتى بعدها فراغ، ماذا سوف تفعل فيه؟ كنتَ تحضر دروساً، وكنتَ تطلب العلم، وإذا ظللت على حالك هذا فسوف تقضي سبع ساعات من الفراغ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: وذكر منها: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه) سوف تُسأل عن كل دقيقة بعد الأخرى، فماذا ستجيب ربك؟ تقول: نمت ولعبتُ وجلست أمام التلفاز، أو تقلب الجريدة والمجلة، أو تتجول على هذا بعد هذا، أو تتكلم مع هذا بعد هذا، وضاعت الأوقات بالأحاديث التي لا طائل منها، وباللغو الذي لا فائدة فيه، وبالطعام والشراب وباللعب واللهو، وإن لم تكن بالمحرمات ضاعت فبالمباحات.

يقول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي عن نفسه: لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري.

ألَّف كتاباً يسمى الفنون، يقع في ثمانمائة مجلد، من غير كتبه الأخرى، ألَّف هذا الكتاب ومع ذلك يقول: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري.

أتظن أن هذا كانت تضيع أوقاتُه بالنوم، أو باللعب، أو بالأحاديث الفارغة، أو بالمشي، أو بالزيارات التي لا طائل منها ولا فائدة ولا هدف منها؟!

إذا كنتُ أعلم علماً يقيناً بأن جميع حياتي كساعةْ

فلم لا أكون ظنيناً بها وأجعلها في صلاح وطاعة

وإذا كنت متيقناً أن الحياة كلها كساعة واحدة، كأنك تغمض عينك فتفتحها وإذا العمر قد فات، فلماذا لا تغتنم وقتك؟! ولذلك يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة للمشركين: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:١١٢ - ١١٣] لعله أقل من يوم، أو جزء من يوم، بكرةً أو عشية أو ضحاها {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:١١٣] اسأل أهل الحساب، اسأل الذين كانوا يعدون الأيام {قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:١١٤ - ١١٥] أتحسب أنَّ الوقت -الذي هو نعمة من نعم الله- وأعطاك الله عزَّ وجلَّ إياه، أتحسب أنه عبث؟ أتظن أن الله لن يسألك عنه؟ أتظن أنك ستأتي يوم القيامة وتقول: يا رب، على الأقل أنا ما فعلتُ منكرات؟! بل إنك سوف تحاسب؛ لأنها نعمة {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:٨] وإذا كنت لا تشعر أنها نعمة فاعلم أن بعض الناس يتمنى قراءة المصحف فلا يجد وقتاً، يذهب إلى العمل منذ طلوع الفجر حتى تغيب الشمس، ثم يرجع إلى البيت فيأكل لقمة، ثم تغلبه عيناه فينام، ثم يستيقظ في الفجر ليذهب إلى العمل ويكدح ويتعب حتى تغرب الشمس، ثم يرجع إلى بيته، وهكذا طول حياته، لا إجازة ولا راحة، وأنت الآن مترف منعم بهذا الوقت، يأتيك الطعام والشراب والمال، وتنام في بيت بارد هنيء مريح، وعندك الكتب ما تشاء منها، بل عندك المشايخ، الأشرطة، ثم بعد هذا تتكاسل! وتظن أن الله لن يسألك عن هذا!!