للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

دليلنا في المسألة، أن نقول: هذه عبادة بدنية، تسقط بالعجز، كقيام الصلاة (١).

احتج الشافعي: في المسألة وهو: أن الحج عبادة لها تعلق بالمال، فلا تسقط بالعجز، كالزكاة (٢).


(١) قول المؤلف: "بأنها عبادة بدنية" فيه بعض التجوز والتغليب، وإلا فهي عبادة بدنية ومالية. والأصل عندهم: استطاعة البدن، والمال شرط ليتوسل به إلى المقصود، "ولا يعتبر وجود الشرط - بمفرده - لأن الشرط تبع، والتبع لا يقوم مقام الأصل في إثبات الحكم به ابتداء". قال السرخسي: "وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧] فإنما أوجب الله تعالى الحج على من يستطيع الوصول إلى بيت الله تعالى، والزمن لا يستطيع الوصول إلى بيت الله تعالى: فلا يتناوله هذا الخطاب، ثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الشرط مالًا يؤصله إلى البيت بقوله: "من وجد زادًا وراحلة يبلغانه بيت الله تعالى" وزاد المعضوب وراحلته لا يبلغانه بيت الله تعالى، فصار وجوده كعدمه .. .". المبسوط ٤/ ١٥٢، ١٥٣.
الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -: الترمذي، في الحج، باب ما جاء الحج بالزاد والرحلة (٨١٣)، وقال: "حديث حسن" ٣/ ١٧٧؛ ابن ماجه، في المناسك، باب ما يوجب الحج (٢٨٩٧)، ٢/ ٩٦٧.
(٢) وللاستطاعة - عندهم - وجهان: "مستطيع بنفسه: أن يكون الرجل مستطيعًا ببدنه؛ واجدًا من ماله ما يبلغه الحج، فتكون استطاعته تامّة ويكون عليه فرض الحج، لا يجزيه إلا أن يؤديه عن نفسه، ومستطيع بغيره: أن يكون مضنوا في بدنه لا يقدر أن يثبت على مركب ... وقادر على مال يجد من يستأجره ببعضه فيحج عنه فيكون هذا مما لزمته فريضة الحج كما قدر. بحديت ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستمسك على راحلته فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"، فقالت: يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ فقال: "نعم، كما لو كان عليه دين فقضيته نفعه".
قال الشافعي معلقًا: "ولو لم يلزمه لقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا فريضة على أبيك إذا كان إنما أسلم ولا يستطيع أن يستمسك على الراحلة إن شاء الله تعالى .. ." الأم ٢/ ١١٣، ١٢٦. الحديث أخرجه الشيخان: البخاري، في جزاء الصيد، باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة (١٨٥٤)، ٤/ ٦٦؛ مسلم، في الحج، باب الحج عن العاجز لزمانه وهرم ونحوها، أو للموت (١٣٣٤، ١٣٣٥)، ٢/ ٩٧٣.
وانظر: السنن الكبرى، باب المضنو في بدنه لا يثبت على مركب وهو قادر على من يطيعه أو يستأجره فيلزمه فريضة الحج ٤/ ٣٢٧.

<<  <   >  >>