للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الخلف منه (١). ويصور ذلك بقوله:

تزوجت لم أعلم وأخطأت لم أصب ... فيا ليتني قد متّ قبل التزوّج

فوالله ما أبكي على ساكني الثرى ... ولكنني أبكي على المتزوج (٢)

وكان لهذا ردة فعل سيئة على نفسية الزمخشري، سجلها في قصائده الكثيرة التي تطفح ألمًا وكراهية للحياة الزوجية، ومنها:

تصفحت أولاد الرجال فلم أكد ... أصادف من لا يفضح الأم والأبا

رأيت أبًا يشقى لتربية ابنه ... ويسعى لكي يدعى مكبًّا ومنجبا

أراد به النشء الأغر فما درى ... أيوليه حجرًا أم يعليه منكبا

أخو شقوةٍ ما زال مركب طفله ... فأصبح ذاك الطفل للناس مركبا

لذاك تركت النسل واخترت سيرة ... مسيحية أحسن بذلك مذهبًا (٣)

وقد استبدل كتبه وتلاميذه بالحياة الزوجية، حيث يقول:

وحسبي تصانيفي وحسبي رواتها ... بنين بهم سيقت إلى مطالبي (٤)

ومهما اعتذر لموقفه هذا من الحياة الزوجية، فهي أعذار مردودة وأوهام خاطئة، قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (٣).

[المرحلة الأخيرة: إنتاجه العلمي]

أدركت الزمخشري سن الخامسة والأربعين وهو بمكة، وأصابه مرض تسبب في انقطاعه عن المجتمع الذي كان يعيشه، وآثر العزلة، حيث يقول متحدثًا عن نفسه:


(١) وقد عده بعض الباحثين من ضمن العلماء الذين لم يتزوجوا، وآثروا العلم على الزواج، ولعله أراد كونه عازبًا: أنه آثر حياة العزوبة، بعد تجربة زواجه غير الناجح فعاش متبتلًا عازبًا.
انظر: أبو غدة، عبد الفتاح، العلماء العزاب، ص ٧٠ وما بعدها.
(٢) الزمخشري لغويًا ومفسرًا، ص ١٠٨.
(٣) مقدمة منهج التفسير عند الزمخشري، ص ٤٣.
(٤) سورة الأحزاب: آية ٢١.

<<  <   >  >>