للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[المرحلة الثالثة: تكامل شخصيته العلمية]

ما لبث أن تكاملت شخصية الزمخشري العلمية، حتى طوّر صلاته الاجتماعية: بالملوك والوزراء ورجالات الدولة، وكذلك أكثر من الرحلات والاتصال بأهل العلم والفضل، والاستفادة منهم وإفادتهم: حيث رحل إلى مكة المكرمة حوالي عام (٥٠٢ هـ) (١) وكانت هذه أولى رحلاته إلى الديار الحجازية، فأقام فيها مجاورًا لبيت الله الحرام، ولقّب نفسه بجار الله، واتصل في مكة المكرمة بالشريف علي بن حمزة بن وهّاس (٥٢٦ هـ) الذي كان معدودًا في صفوف الأدباء (٢) فلقى منه كل عناية وعطف، وأهدى له كثيرًا من مؤلفاته. وفي أثناء إقامته بالحجاز زار اليمن ومدنها، وأكثر أنحاء جزيرة العرب، كما جاء في أساس البلاغة: "وطئت كل تربة في أرض العرب" (٣). ولكنه بعد مضي فترة اشتاق إلى وطنه الأول، وعاوده الحنين إليه، ثم لام نفسه على عودته، كما يصور ذلك في قصائده التي حفل بها ديوانه، منها:

بكاء على أيام مكة إنّ بي ... إليها حنين النيب فاقدة البكر

تذكرت أيامي بها فكأنني ... قد اختلفت زرق الأسنة في صدري (٤)

وما لبث أن عاد إلى مكة المكرمة مرة أخرى نحو عام (٥١٨ هـ) (٥)، وفي أثناء عودته مر بالشام ومدح تاج الملك، صاحب دمشق (م ٥٢٦ هـ) (٦).

قضى الزمخشري هذه الفترة من حياته في استقرار ورخاء نسبي، كما نستخلص هذا من شعره، ويظهر من شعره أيضًا أنه تزوج غير أنه لم يوفق في زواجه، ولم يقدر له


(١) الززمخشري لغويًا مفسرًا، ص ١٠٥.
(٢) معجم الأدباء ١٤/ ٨٦.
(٣) أساس البلاغة، مادة (ترب).
(٤) انظر: منهج الزمخشري في تفسير القرآن، ص ٣٧.
(٥) طبقات المفسرين للسيوطي، ص ٤١.
(٦) الكامل في التاريخ ٩/ ٣٣٧.

<<  <   >  >>