للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

دليلنا في المسألة، وهو: أن المكرِه لما أكرهه على القتل، فقد ألجاه بذلك؛ لأن المكرَه ما فعل باختياره، إنما فعل خوفًا من السيف؛ لأن الِإنسان مجبول بحب حياته، فكان فعله نافلًا عن المكرِه، فصار المكرَه كالآلة. كما لوألقى حية على إنسان فلسعته الحية، أو وضع نارًا على صدر إنسان وأحرقته النار ومات، فإن القصاص يجب على الملقي، وإن كان القتل بفعل النار أوبفعل الحية، كذلك ها هنا (١).

احتج الشافعي في المسألة، وهو: أن المكرَه مباشر للقتل والمكرهِ مسبب للقتل، فكان كل واحد منهما مشتركًا في هذا الفعل، فصار كما لو اجتمعا وقتلاه، أحدهما: بسبب، والآخر: بالمباشرة، فإنه يجب القصاص عليهما؛ لأن السبب إذا كان قويًا، أقيم مقام المباشرة (٢)، كما: لو حفر بئرًا على قارعة الطريق، فوقع فيه إنسان فمات، فإنه يجب على الحافر الضمان، لهذا المعنى (٣). وأما أبو يوسف فإنه قال: لا أوجب على المكرِه القصاص؛ لأنه ما باشر بنفسه، ولا أجب القصاص على المكرَه؛ لأنه ما قتل باختياره، فأورث الشبهة فيهما جميعًا فيسقط القصاص مع الشبهة (٤).


= وإنما يصح قول المؤلف إذا حملناه على أن الإكراه غير ملجئ، مع أن الجميع اشترطوا الِإلجاء.
انظر: الشرح الصغير ٥/ ٧٣؛ قوانين الأحكام الشرعية، ص ٣٧٤.
(١) واستدل السرخسي لقول أبي حنيفة رحمه الله تعالى بقول الله عز وجل: {يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم} (القصص ٤). ووجه الدلالة كما قال السرخسية "فقد نسب الله الفعل إلى المعين وهو ما كان يباشر صورة، ولكنه كان مطاعًا فأمر به وأمره إكراه".
انظر بالتفصيل: المبسوط ٧٣/ ٢٤، ٧٤، ٧٥.
(٢) انظر: المهذب ٢/ ١٧٨.
(٣) المصدر السابق ٢/ ١٩٤.
(٤) انظر بالتفصيل: المبسوط ٢٤/ ٧٥.

<<  <   >  >>