وكان مما زاد تعلقي بهذا الكتاب: اهتمام الدارسين والباحثين في الوقت الحاضر بفقه الخلاف، حيث الاتجاه العام إلى التجديد الفقهي، والخروج بآراء تتناسب والعصر الحديث.
ومن ثم وجدت في هذا الكتاب ضالتي التي أنشدها، فهو يشتمل على أهم مسائل الخلاف بين المذهبين: الحنفي والشافعي، ويعرض المسائل الفقهية عرضًا واضحًا مبسّطًا، وفي أسلوب علمي مستقيم، يميزه عن كثير من الكتب في هذا المجال العلمي، كما لا يفوته في منهج العرض إيراد الأدلة بإيجاز لكلا المذهبين، في أمانة وإنصاف.
وضاعف من هذه الرغبة لديّ المكانة العلمية التي يحتلها مؤلفه في تراثنا اللغوي، حيث شهرته وتميزه، غير أنه لم يعرف عنه في الأوساط العلمية الآن شيئًا عن نفقهه أو إفراده لهذا العلم بمصنفات.
بدأت العمل وسرت في طريق لم تخل من العقبات والصعوبات، كان من أهمها: عدم عثوري على نسخة أخرى للكتاب، في فهارس المكتبات العالمية، العربية منها والأجنبية، الموجودة في المكتبة المركزية بجامعة أم القرى وغيرها.
والمشتغلون بالتحقيق يدركون مدى صعوبة العمل على نسخة واحدة، وبخاصة إذا لم تخل في بعض الأحيان من السقطات في الجمل، بالإضافة إلى الأخطاء الإملائية والنحوية الكثيرة، التي كثيرًا ما تخلّ بالمعنى. كما أن المؤلف لم ينوّه بذكر مصادر كتابه كلية، ولم يذكر أيضًا أسماء رواة الحديث، مما جعلني أعاني مشقة عظيمة في الوقوف على مصادره، وأخيرًا تغلبت على هذه العقبة باعتماد الكتب الفقهية المعتمدة المؤلفة قبل عصر الزمخشري، وكتب المعاصرين له، التي كانت متداولة بين أيدي الدارسين للفقه الحنفي والشافعي حينذاك، وجعلها مصادر لكتابه؛ لأن غالب الظن أن المؤلف استمد مادة كتابه من هذه المصادر.
ورغم كل ما لاقيته من صعوبات، وطنت العزم على المضيّ في العمل مستعينًا بالله عز وجل، ثم مسترشدًا بآراء وتوجيهات أستاذي الفاضل الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، التي كان لها الأثر الكبير في إنجاز هذا العمل على هذه الصورة.