وفي رواية أبي إسحاق الآتية صار مثل الكوة وهو بنفس المعنى، وفي رواية ابن جريج عند البخاري حتى كان أثره في جحر، قال لي عمرو: هكذا كان أثره في جحر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما، وحاصل الجميع أنه صار في الماء يشبه الطاق أو النفق (فكان) ذلك المسلك (للحوت سربًا) أي نفقًا، والسرب: المسلك والحفير تحت الأرض والقناة يدخل منها الماء (وكان) ذلك المسلك الذي أمسك الله عنه الماء (لموسى وفتاه) يوشع (عجبًا) أي متعجبًا يتعجبان منه أي لما تذكرا فرجعا تعجبًا من قدرة الله تعالى على إحياء الحوت ومن إمساك جري الماء حتى صار بحيث يسلك فيه (فانطلقا) أي انطلق موسى ويوشع (بقية يومهما) أي بقية اليوم الذي رقدا فيه (وليلتهما) المستقبلة لذلك اليوم، ويجوز في الليلة النصب على أنه معطوف على بقية، والجر على أنه معطوف على يومهما كذا قالوا، والأول أولى لأن الليلة ليس لها بقية يعني بعد أن قاما من نومهما ونسيا حوتهما أي غفلا عنه ولم يطلباه لاستعجالهما، وقيل: نسي يوشع الحوت وموسى أن يأمره فيه بشيء، وقيل: نسي يوشع فنسب النسيان إليهما للصحبة لقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (٢٢)} [الرحمن: ٢٢] وعلى هذا القول يدل قوله في الحديث: (ونسي صاحب موسى أن يخبره) ويظهر منه أن يوشع أبصر ما كان من الحوت ونسي أن يخبر موسى في ذلك الوقت (فلما أصبح موسى - عليه السلام -) أي دخل في صباح الليلة التي مشيا فيها بعد بقية اليوم (قال لفتاه) أي لرفيقه يوشع بن نون: (آتنا غداءنا) أي هات لنا غدائنا لنأكله، والغداء ما يؤكل أول النهار وهذا يدل على أنهما كانا تزودا، وقيل: كان زادهما الحوت وكان مملحًا (قلت): والظاهر من الحديث أنه إنما حمل الحوت معه ليكون فقده دليلًا على موضع الخضر كما تقدم من قوله تعالى لموسى: احمل معك حوتًا في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثَم، وعلى هذا فيكونان تزودا شيئًا آخر غير الحوت، والله (لقد لقينا) أي قاسينا (من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا، وقيل جوعًا، وفيه دليل على جواز إخبار الإنسان بما يجده من الأمراض والألم وأن ذلك لا يقدح في الرضا ولا في التسليم بالقضاء لكن إذا لم يصدر ذلك عن ضجر ولا تسخط (قال) رسول الله صلى الله