عليه وسلم:(ولم ينصب) موسى أي لم يجد موسى ألم النصب والتعب (حتى جاوز المكان الذي أُمر به) أي أمر بطلب العبد الأعلم فيه وهو مجمع البحرين أي إلا بعد أن جاوز موضع فقد الحوت وكان الله تعالى جعل وجدان النصب بسبب طلب الغداء سبب تذكر ما كان من الحوت، ومن هنا قيل: إن النصب هو الجوع فـ (قال) فتاه يوشع بن نون في جواب قول موسى: آتنا غدائنا (أرأيت) يا موسى أي أخبرني والمراد أخبرك يا موسى، والظرف في قوله:(إذ أوينا) وانضممنا (إلى الصخرة) ونزلنا عندها متعلق بقوله: (فإني نسيت الحوت) والمعنى أخبرك يا موسى أني نسيت الحوت وقت إيوائنا ونزولنا عند الصخرة، وهذا قول يوشع جوابًا لموسى وإخبارًا له عما جرى ومعنى أوينا انضممنا ونزلنا وهي هنا بقصر الهمزة لأنه لازم ونسبة الفتى النسيان إلى نفسه نسبة عادية لا حقيقة (وما أنسانيه) أي وما أنساني الحوت بكسر الهاء في رواية غير حفص على القياس، وبضمها على روايته على الأصل كما بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه (إلا الشيطان أن أذكره) أي أن اذكر الحوت وأخبر فقدانه لك، وأن المصدرية مع الفعل في تأويل مصدر منصوب على أنه بدل اشتمال من الضمير في أنسانيه وهو من إبدال الظاهر من المضمر أي وما أنساني ذكر فقدان الحوت عندما سقط في البحر إلا الشيطان، وكان موسى - عليه السلام - ألزمه أول سفرهما بأن يخبره حين يفقد الحوت كما وقع صريحًا في رواية البخاري فلذلك اعتذر يوشع بهذا القول، ولفظ البخاري أن موسى قال لفتاه:(لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت) فاعتذر بذلك القول ويعني الفتى بذلك أن الشيطان سبب للنسيان والغفلة عن الشيء بما يورده على القلب من الخوض في غير المعنى المطلوب، ومن المعلوم أن النسيان لا صنع فيه للإنسان وأنه مغلوب عليه ولذلك لم يؤاخذ الله تعالى به، وإنما محل المؤاخذة الإهمال والتفريط والانصراف عن الأمور المهمة إلى ما ليس بمهم حتى ينسى المهم وهذا هو فعل الشيطان المذموم أن يُشغل ذكر الإنسان بما ليس بمهم ويزينه له حتى ينصرف عن المهم فيذم على ذلك ويُعاقب فيحصل مقصود الشيطان من الإنسان (واتخذ) الحوت (سبيله في البحر عجبًا) أي اتخذ الحوت طريقه في البحر سربًا يابسًا، تعجب منه يوشع