للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبيد مقيل السر لا يدرك التى ... يحاولها منه الأديب المخادع

فقوله: التى يحاولها. من الإبهام الذى لا تفسير له، ومن أبيات الحماسة «١» :

صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه ... فلمّا علاه قال للباطل ابعد

فقوله: صبا ما صبا، فيه من الإبهام البالغ ما لو تناهيت فى تفسيره فإنك لا تجد له من البيان مثل ما تجده فى إبهامه، وكقول بعض الشعراء فى صفة الخمر «٢» :

مضى بها ما مضى من عقل شاربها ... وفى الزجاجة باق يطلب الباقى

والكلام على هذا البيت مثل ما مضى فى أمثاله، ومنه قول بعض المتأخرين: فؤاد فيه ما فيه. فهذا فيه غاية المبالغة لإبهامه، وكقول ابن الأثير فى بعض التقاليد: وأنت مؤهل لواحدة تجلو بها غرر الجياد، وتناديها العلياء بلسان الإحماد، وتفخر بها سمر الأقلام على سمر الصعاد، فقوله: لواحدة، فيه من الإبهام البالغ ما لا يقوم مقامه البيان، ومنه قول المتنبى «٣» :

خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... فى طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

فقوله: ما تراه، فيه إبهام عظيم، ومنه قولهم: بعد الّلتيا والّتى. فإن هذا واقع فى الإبهام أعظم موقع، وما حذفوا الصلة إلا من أجل إرادة الإبهام؛ لأن الصلة موضحة للموصول فى علم الإعراب، ولهذا توهم بعض النحاة لأجل إيضاحها للموصول، أنها هى المعرفة له، وكأنها بلغت مبلغا لا تطيق العبارة على وصفه، والأمثلة فى مثل هذا كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية وتنبيه على ما عداه.

«الضرب الثانى» فى الإبهام الذى ظهر تفسيره، وهذا كقوله تعالى: وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ

[الحجر: ٦٦] فقوله: ذلِكَ الْأَمْرَ

مبهم، وقد فسره بقوله: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ

وفى إبهامه أولا، ثم تفسيره ثانيا تفخيم للأمر وتعظيم لشأنه، ولو قال من قال من أول وهلة: وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع، لم يكن فيه ما

<<  <  ج: ص:  >  >>