في ذلك فوق ما قدرته عندي، فجمع المأمون بين أحمد بن أبي دؤاد وبين المعتصم وقال:
قد اخترت لك هذا الرجل، فضمّه إليك، فأخذه المعتصم. فلما بلغوا الأنبار وافت كتب البريد بموافاة المعتصم للأنبار، فقال المأمون ليحيى: ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟ فقال يحيى: لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تجب المكاتبة به.
وكتب يحيى إلى أحمد يعنّفه ويخبره إنكار أمير المؤمنين تأخّر كتبه، فوقف أحمد على الكتاب واحتفظ به ولم يجب عنه، وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة «١» ، ولم يكتب أحمد بحرف واحد من أخبار المعتصم، وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم للرحبة وأخبار عسكره، فتضاعف إنكار المأمون على يحيى، وكتب يحيى إلى أحمد وأغلظ له المخاطبة وأسمعه المكروه، فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة «٢» فتضاعف إنكار المأمون على يحيى وقال له: يا سخين العين «٣» ، هذا مقدار رأيك وعقلك اللئيم إلّا أن تكون غررتني متعمدا. فكتب إلى أحمد كتابا يشتمل على إيعاد، وإرهاب، وتحذير، وتخويف، وخاطبه بأفحش مخاطبة؛ فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وأمر المأمون عمرو بن مسعدة «٤» أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي دؤاد مشدودة يده إلى عنقه مثقلا بالحديد محمولا على غير وطاء «٥» ، فورد الكتاب على المعتصم.
ودخل أحمد بن أبي دؤاد إليه وهم بالرّقّة ما جاوزوها، فرأى المعتصم كئيبا، مغموما، فقال: أيها الأمير، أراك مفكرا، وأرى لونك حائلا. فقال: نعم، الكتاب ورد عليّ من أجلك، ونبذ إليه بالكتاب، فقرأه أحمد، فقال له المعتصم: تعرف لك ذنبا يوجب ما كتب به