أني أظن إن كان أحد عنده من هذه الرؤيا علم فأنت هو. قال دانيال: لا تخف عليّ، فإن لي ربا يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن، فأخبر بخت نصّر بذلك، فدعا دانيال، فأدخل عليه «١» ، ولا يدخل عليه أحد إلّا سجد له، فوقف دانيال فلم يسجد له، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصّر لدانيال: أخبرني عما يمنعك أن تسجد لي، قال دانيال: إن لي ربا آتاني هذا العلم الذي سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني العلم، ثم أصير في يديك أميّا لا ينتفع بي، فتقتلني، فرأيت بترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه، فتركت السجود نظرا لي ولك، فقال بخت نصّر: لم يكن قطّ أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيت؟ قال: نعم. عندي علمها وتفسيرها. رأيت صنما «٢» عظيما رجلاه في الأرض ورأسه في السماء. أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار «٣» ، فبينا كنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه، وإحكام صنعته، قذفه الله حتى طحنه «٤» ، فاختلط ذهبه، وفضته، ونحاسه، وحديده، وفخّاره، حتى يخيل لك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبّت ريح لأذرّته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم، ويكبر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلّا السماء والحجر، قال له بخت نصّر: صدقت هذه الرؤيا فما تأويلها؟ فقال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها، وأنت ملكها، وأما الفضة، ابنك من بعدها تملّكها، وأما النحاس فأما الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخّار فأمتان تملكها امرأتان، إحداهما في مشرق اليمن، والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الذي قذف به الصنم، فدين يقذف الله به هذه