للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، يبعث الله نبيا أمّيا من العرب، فيدوّخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوّخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى ملأها، فيحق الله به الحق، ويزهق به الباطل، ويهدي به أهل الضلال، ويعلّم به الأميين، ويقوّي به الضّعفة، ويعز به الأذلّة، وينصر به المستضعفين، قال له بخت نصّر: ما أعلم أحدا استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا لأحد عندي يد أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك، فاختر من ثلاث خلال أعرضهن عليك: واحدة إن أحببت أن أردّك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خرّبته، وإن أحببت كتبت لك أمانا تأمن به حيث ما سلكت، وإن أحببت أن تقيم معي، فأواسيك. قال: أما قولك: تردّني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت؛ فإنها أرض كتب الله عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم، وليس تقدر على أن تعمر ما خرب الله عز وجل، ولا تردّ أجلا أجّله الله حتى يبلغ الكتاب أجله، وينقضي هذا البلاء الذي كتب الله على إيلياء وأهلها، وأما قولك: إنك تكتب لي أمانا آمن به حيث ما توجهت؛ فإنه لا ينبغي أن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق، وأما ما ذكرت من مواساتك؛ فإن ذلك أوفق لي يومي هذا حتى يقضي الله فينا قضاءه، فجمع بخت نصّر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي، فقال لهم: هذا رجل حكيم قد فرّج الله عني الكرب الذي عجزت عنه به، وإنّي قد رأيت أن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته، وأعظموا حقه، فإن جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال، فآثروا حاجته على حاجتي، ونزل منه دانيال بأفضل المنازل، وجعل تدبير ملكه إليه، فلما رأى ذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال، واجتمعوا إلى بخت نصّر، فقالوا له: لم يكن على الأرض ملك أعزّ من ملكنا ولا أعظم، ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرض، واعترفت لنا الأمم، فليس يطمع فينا أحد، وإنا نخبرك أن الأمم قد طمعوا فينا منذ قلّدت أمر ملكك هذا العبد الإسرائيلي، وإنك لم تفعل هذا حتى أنكرت عقلك ورأيك، وعجزت عن السياسة، وقد نصحناك، فقال لهم بخت نصّر: ما أنكرت عقلي ولا رأيي، ولا تزيدني الأيام إلّا تجربة وعلما، ولكنه كان نزل بي ما رأيتم، فعجز عنه رأيي، وعجزتم أنتم، ففرّج عني، فماذا تنقمون أن عمدت إلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به مع رأيي، وكلّ ذلك أريد به صلاح أمركم وقوام ملككم؟ قالوا: فإن كان كما تقول، أفليس يخبرك أن له ربا عظيما هو الذي يدبّر له أمره ويطلعه على الغيب؟ قال بخت نصّر: بلى، يزعم أنّ له ربا لولاه لم يك شيئا، ولا يعلم شيئا. قالوا له: هذا العبد الضعيف قدر على أن يتخذ إلها يخبره بما شاء،