فكيف لا تقدر أنت في مثل خطرك وعظم ما أوتيت من الملك على أن تتخذ إلها، فيخبرك بحاجتك ويكفيك ما أهمّك، وتستغني به عن الناس، ونحن لك على ذلك مؤازرون؟ قال بخت نصّر: فأنتم وذاك. قالوا: فأعطا الطاعة والسلطان حتى نفرغ مما تريد، ففعل بهم ذلك، فعلموا صنما طوله في السماء سبعون ذرعا وعرضه عشرون ذراعا من الألواح ثم دسروه «١» بالحديد والمسامير، وألبسوه الذهب، وكلّلوه بالياقوت وألوان الجوهر، ثم صنعوا له عيدا عظيما، وذبحوا له الذبائح، وواعدوا الناس لذلك اليوم يجتمعون فيه، فيعبدون ذلك الصنم ويسجدون له، واتخذوا أخدودا في الأرض، فأوقدوا فيها نارا عظيمة، وهم أصحاب الأخدود، وكانت الأخدود باليمن وببابل، فأما الذي كان باليمن فاتخذه يوسف ذو نواس الحميري «٢» ، وهو الذي ملك حمير، وكان صاحب عنفصير «٣» ، وهو الذي قتل الناس وأحرقهم بالنار ليدعوا الإسلام «٤» .
وكانت الأخدود الأخرى ببابل اتخذها بخت نصر، فلما اجتمع الناس يوم عيدهم، أمروهم بالسجود لذلك الصنم فسجدوا، فمن أبي حرّقوه في تلك الأخدود، وكان بخت نصّر سبى من إيلياء سبعين ألف غلام، فقسمهم في ملوك بابل، ما خلا دانيال وميشائيل وميخائيل وعيصو ومرنيوس «٥» فأقاموا بذلك زمانا يستخدمونهم حتى أدرك الوصفاء، فأنكر أهل بابل شأنهم، فقالوا لبخت نصّر: إنا أنكرنا شأننا منذ أدرك عبيدنا، فإنا نحب أن تنفيهم منا فتخرجهم عنا، أو تأذن لنا فنقتلهم. فقال لهم: أنتم وذاك. قال: فقتلوهم جميعا، وبقي هؤلاء العدّة التي في يدي الملك «٦» ، فكانوا يدعون الله ويقولون: يا رب قد عذبت آباءنا