واعلفه وأصلح منه، ثم خذ سرجه ولجامه وسلاحك فضعه عند وتد فرسك، ثم ارقب أصحابك حتى إذا أخذوا مضاجعهم ونوّموا فاشدد على فرسك سرجه ولجامه، واصبب عليك سلاحك وخذ رمحك، ثم اخرج حتى تأتي عسكر أعداء الله فتعاينهم، وتنظر إلى حالاتهم وما هم عليه، ثم تصحبني غدا، ولا تحدثن شيئا حت تنصرف، فإذا انصرفت إلى أصحابك الساعة فلا تخبرهم بما عهدته إليك، فنهض الجراح. فلما أتى أصحابه وهم متشوّفون له سألوه عن أمره فقال: سألني الأمير عن أمر أهل دمشق واعتلّ لهم، ثم فعل ما أمره الحجاج، ثم خرج من العسكر يريد عسكر القوم، فلما كان في المنصف من العسكرين لقي رجلا في مثل حاله، فعلم الجراح أنه عين للعدو يريد مثل الذي خرج له، فتواقفا وتساءلا ثم شد عليه الجراح فقتله وأوثق فرسه برجله، ثم نفر إلى المعكسر الذي فيه القوم فعاينه وعرف من حاله وحال أهله ما أمر به، ثم انصرف إلى القتيل فاحتزّ رأسه وأخذ سلاحه وجذب فرسه وعلق الرأس في عنق فرسه، ثم أقبل. وصلى الحجاج صلاة الصبح وقعد في مجلسه وأمر بالأستار فرفعت، وتشوّف منتظرا الجرّاح وجعل يومىء بطرفه إلى الناحية التي يظنّ أنه يقبل منها. فبينا هو كذلك إذ أقبل الجرّاح يجذب الفرس، والرأس منوط في لبان «١» فرسه، فأقبل الحجاج يقول ويقلب كفّيه: فعلت ما أمرتك به؟ قال: نعم، وما لم تأمرني، حتى وقف بين يديه، فسلّم ثم نزل. وحدّث الحجاج بما صنع وما عاين من القوم، فلما فرغ من حديثه زبره الحجاج وانتهره وقال له: انصرف، فانصرف فبينا هو في رحله إذ أقبل فراشون يسألون عن الجراح معهم رواق وفرش وجارية وكسوة، فدلّوا على رحله، فلم يكلموه حتى ضربوا له الرواق وفرشوا له فرشا وأقعدوا فيه الجارية، ثم أتوه فقالوا: انهض إلى صلة الأمير وكرامته.
فلم يزل الجرّاح بعدها يعلو ويرتفع حتى ولي أرمينية واستشهد، قتلته الخزر سنة خمس ومئة.
قال أبو حاتم:
الجراح مولى مسكان أبي هانىء أبي أبي نواس، وذلك عنيّ أبو فراس بقوله «٢» :