فلما أصبحنا صلّى بنا صلاة الغداة، فقال: أشيروا، فلم يتكلم من القوم أحد غير عبد الله بن الزبير، فقال: أشير عليك بثلاث خصال، فاركب أيتهن شئت: إمّا أن تهلّ «١» فتحرم عليهم دماؤنا وإلى ذلك ما قد أتانا مددنا من الشام، قال: وقد كان عثمان كتب إلى أهل الشام عامّة، وإلى أهل دمشق خاصة، إنّي في قوم قد طال فيهم عمري واستعجلوا القدر، وقد خيّروني بين أن يحملوني على شارف إلى جبل الدخان، وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن أفيدهم «٢» ، ومن كان على السلطان يخطىء ويصيب، وإن باعونا «٣» ولا أمير عليكم دوني.
وإمّا أن نهرب على نجائب سراع لا يدركنا أحد حتى نلحق بمأمننا «٤» من الشام.
وإما [أن]«٥» نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل، فنحن على الحق وهم على الباطل.
فقال عثمان: أما قولك أن نهلّ بعمرة تحرم عليهم دماؤنا فو الله لو لم يكونوا يرونها اليوم حراما لا يحرمونها إن نحن أهللنا، وأما قولك أن نهرب إلى الشام فو الله إنّي لأستحي أن آتي أهل الشام هاربا من قومي وأهل بلدي، وأما قولك نحن نخرج بأسيافنا ومن شايعنا فنقاتل فنحن على الحق وهم على الباطل فو الله إنّي لأرجوأن ألقى الله عز وجل ولم أهريق محجما من دماء المؤمنين.
قال: فمكثنا أياما ثم إنّا صلينا معه أيضا صلاة الصبح فلمّا فرغ أقبل علينا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن أبا بكر وعمر أتياني الليلة فقالا لي: صم يا عثمان، فإنّك مفطر عندنا، وأنا أشهدكم أني قد أصبحت صائما أعزم على من كان يؤمن بالله واليوم الآخر إلا خرج من الدار سالما مسلوم منه، فقلنا: يا أمير المؤمنين إن خرجنا لم نأمنهم على أنفسنا، فائذن لنا فلنكن في بيت من الدار يكون لنا فيه جماعة ومنعة، فأذن لهم فدخلوا البيت وأمر بباب الدار ففتح، فدعا بالمصحف وأكبّ عليه وعنده امرأتاه بنت الفرافصة الكلبية وابنة شيبة،