قد جمع الحطب، فأحاط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد حتى تقوم الساعة، فأخّرناه عن الأبواب، وقلنا لابن عباس: ذرنا نرح الناس منه، فقال: لا، هذا بلد حرام حرّمه الله، ما أحلّه لأحد إلا للنبي صلّى الله عليه وسلّم ساعة، فامنعونا وأجيرونا. قال: فتحملوا، وإن مناديا ينادي في الجبل: ما غنمت سرية بعد نبيّها ما غنمت هذه السرية، إنّ السرايا تغنم الذهب والفضة، وإنما غنمتم دماءنا فخرجوا بهم حتى أنزلوهم منى، فأقاموا ما شاء الله، ثم خرجوا بهم إلى الطائف، فمرض عبد الله بن عباس. قال: فبينما نحن عنده إذ قال في مرضه: إنّي أموت في خير عصابة على وجه الأرض أحبّهم إلى الله وأكرمهم عليه، وأقربهم إلى الله زلفى، فإن متّ فيكم فأنتم هم، فما لبث إلا ثمان ليال بعد هذا القول حتى توفي، رحمه الله. فصلى عليه محمد بن الحنفية، وولينا حمله ودفنه.
قال منذر الثوري «١» : سمعت محمد بن علي بن أبي طالب يقول يوم مات ابن عباس:
اليوم مات ربّاني هذه الأمة.
وفي رواية عن كلثوم «٢» : اليوم مات ربّاني العلم.
وعن بجير بن أبي عبيد قال «٣» : مات ابن عباس بالطائف. فلما خرجوا بنعشه جاء طير عظيم أبيض من قبل وجّ «٤» - زاد في رواية: يقال له الغرنوق «٥» - حتى خالط أكفانه، ثم لم يروه، زاد في رواية: قال: فكانوا يرون أنه علمه «٦» .
قال ميمون بن مهران «٧» : شهدت جنازة عبد الله بن عباس بالطائف. فلما وضع