وعن ابن عباس أنه قال حين أصيب بصرة: ما آسى على شيء من الدنيا إلا لو أني كنت مشيت إلى بيت الله عز وجل، فإني سمعت الله عز وجل يقول: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
[سورة الحج، الآية: ٢٧] .
وعن عكرمة قال «١» : كان ابن عباس في العلم بحرا ينشقّ له من الأمر الأمور. وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«اللهم، ألهمه الحكمة، وعلمه التأويل»
[١٤٢٧٧] . فلما عمي أتاه ناس من أهل الطائف، ومعهم علم من علمه- أو كتب من كتبه- فجعلوا يستقرئونه، وجعل يقدّم ويؤخر. فلما رأى ذلك قال: إني تلهت من مصيبتي هذه، فمن كان عنده علم من علمي، أو كتب من كتبي فليقرأ علي، فإن إقراري له به كقراءتي عليه. قال: فقرؤوا عليه، زاد في حديث آخر: ولا يكن في أنفسكم من ذلك شيء.
تله الرجل إذا تحير. والأصل وله. والعرب قد تقلب الواو تاء، يقولون: تجاه، والأصل: وجاه «٢» . ولما «٣» وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ارتحل عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفيّة بأولادهما ونسائهما حتى نزلوا مكة، فبعث عبد الله بن الزبير إليهما يبايعان فأبيا، وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك «٤» ، فأبى، وألحّ عليهما إلحاحا شديدا. وقال فيما يقول: والله لتبايعنّ أو لأحرقنّكم بالنار، فبعثا أبا الطفيل عامر بن واثلة إلى شيعتهم بالكوفة وقالا: إنا لا نأمن هذا الرجل، فمشوا في الناس، فانتدب أربعة آلاف، فحملوا السلاح حتى دخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها أهل مكة، وابن الزبير في المسجد، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة، ويقال: تعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ الله.
قال: ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفيّة وأصحابهما، وهم في دور قريب من المسجد