قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:«أيّكم يعرف قسّ بن ساعدة الإيادي؟» قالوا: كلّنا يعرفه يا رسول الله؛ قال:«لست أنساه بعكاظ «١» على جمل له أحمر «٢» ، يخطب الناس، ويقول: ألا أيها الناس، اجتمعوا، فإذا اجتمعتم فاسمعوا، فإذا سمعتم فعوا، فإذا وعيتم فقولوا «٣» ، فإذا قلتم فاصدقوا؛ من عاش مات، ومن مات فات، وكلّ ما هو آت آت «٤» ، إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لا تغور، أقسم قسّ قسما بالله لا كاذبا «٥» فيه، ولا آثما، لئن كان هذا الأمر رضى ليكوننّ سخطا، إن لله دينا هو أحبّ إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه» ثم قال:«أيّكم ينشد شعره» فأنشدوه «٦» :
في الذّاهبين الأوّلي ن من القرون لنا بصائر
لمّا رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها تمضي «٧» الأصاغر والأكابر
لا يرجع الماضي ولا يب قى من «٨» الباقين غابر
أيقنت أني لا محا لة حيث صار القوم صائر
فقام إليه رجل «٩» طويل القامة، عظيم الهامة جهوريّ الصّوت، كأني أنظر إلى حاجبيه وقد سقطا على عينيه فقال: وأنا قد رأيت منه عجبا؛ قال:«وما الذي رأيت» قال: خرجت