قال: فأحب أن تهب لي ذنبه، قال: أفعل أيها الأمير، اردد الرجل إلى الحبس، قال: نعم، بالصغر له والقماء «١» ، فوجّه إلى الرجل فحبسه، وأطلق حمادا، وكتب بذلك صاحب الخبر إلى الرشيد «٢» ، فكتب إلى سوار يحمده على ما صنع، وكتب إلى محمد بن سليمان كتابا غليظا يذكر فيه حمادا ويقول: الرافضي ابن الرافضي، والله لولا أن الوعيد أمام العقوبة ما أدبته إلا بالسيف ليكون عظة لغيره، ونكالا، يفتات «٣» على قاضي المسلمين في رأيه، ويركب هواه لموضعه منك، ويتعرض «٤» في الأحكام استهانة بأمر الله وإقداما على أمير المؤمنين؟! وما ذلك إلا بك، وبما أرخيت من رسنه. تالله لئن عاد إلى مثلها ليجدني أغضب لدين الله، وأنتقم من أعدائه لأوليائه.
كان الرشيد «٥» يقول: أنا من أهل بيت عظمت رزيتهم، وحسنت بقيتهم، رزئنا «٦» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبقيت فينا خلافة الله عز وجل.
بينما «٧» الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي، فقال: لا، ولا نعمة عين ولا كرامة، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شرّ مني فأمر أن يقول له قولا لينا.
قال منصور بن عمار «٨» :
ما رأيت أغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة: فضيل بن عياض، وأبو عبد الرحمن الزاهد «٩» ، وهارون الرشيد.