ولدتهما، وظأرتا «١» على أولادهما، وقد أحيا الله بهما أهل بيت من قومك من مضر، فبينا هو يخاطبني إذ قالت امرأة من البيت الآخر: قد ولدت، قد ولدت، قال: وما ولدت؟ إن كان غلاما فقد شاركنا في قومنا «٢» ، وإن كان جارية فادفناها «٣» ، قلت: وما هذه المولودة؟ قال:
ابنة لي، قلت: هل لك أن تبيعنيها؟ قال: تقول لي هذا وقد أخبرتك أني من العرب من مضر؟ قلت: إنّي لا أشتري منك رقبتها، إنما أشتري منك روحها؟ قال: بكم؟ قلت: بناقتيّ «٤» ، قال: على أن تزيدني بعيرك هذا، قلت: نعم، على أن ترسل معي رسولا، فإذا بلغت أهلي دفعته إليه، ففعل. فلما بلغت أهلي دفعت الجمل للرسول، ثم فكرت ثم قلت:
والله إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، كنت لا أسمع بموءودة إلا اشتريتها بناقتين عشراوين وجمل، فجاء الإسلام وقد استحييت «٥» ثلاث مئة وستين، من الموءودة «٦» ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«هذا باب من الخير، «٧» ولك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام» . قال:
وذلك مصداق قول الفرزدق:
وجدي الذي منع الوائدات وأحيا الوئيد فلم يوأد «٨»
مات غالب بن صعصعة أبو الفرزدق بسيف كاظمة «٩» ، فدفن على رابية «١٠» ، فآلى الفرزدق على نفسه أن يكون قبر أبيه مأهولا معمورا لا يستجير به أحد إلا أجاره، ولا يلوذ به عان إلّا فكّه، ولا يأتيه غارم إلا أدى عنه. فلما شرعت العداوة بين الفرزدق وبين بني جعفر بن كلاب، وعزم أن يهجوهم خرجت امرأة من رؤسائهم- قيل: إنها أم ذي الأهدام نفيع- ومضت إلى سيف كاظمة، وضربت على قبر أبي الفرزدق فسطاطا، وأقامت به أياما.