فلما رحلت عنه حملت حصيات من قبره، فأتت بها الفرزدق، فألقتها بين يديه، وقالت له:
سألتك بصاحب هذه التربة إلا أعفيتني من ذكرك في هجائك في شعر، قال: وربّ الكعبة اليمانية لاذكرتك بسوء أبدا، فهاجى بني جعفر بن كلاب. فلما صار إليها قال «١» :
عجوز تصلي الخمس عانت بغالب فلا والذي عاذت به لا أضيرها «٢»
لئن نافع لم يرع أرحام أمّه وكانت كدلو لا يزال يعيرها «٣»
وإنيّ على إشفاقها من مخافتي وإن عقّها بي نافع «٤» لمجيرها
وكان رجل من بني منقر «٥» كاتب غلاما له كان منشؤه البادية على ألف درهم على أن يؤديها إليه بعد حول، فسعى فيها، ومضى الحول، ولم يصل إليها، فخرج منالبصرة متنكرا حتى أتى سيف كاظمة «٦» ، فحمل من قبر [غالب أبي]«٧» الفرزدق حصيات وأتى بهن الفرزدق، وهو واقف بالمربد «٨» ، يبيع إبلا له، فألقاهن في حجره، وقال: إنّي مستجير غارم، قال: وما بك، لا أبا لك؟ فأنشده:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما خشيت الردى أو أن أردّ على قسر
بقبر امرىء تقري المئين عظامه ولم يك إلا غالبا ميت يقري
فقال لي استقدم أمامك إنما «٩» فكاكك «١٠» أن تلقى الفرزدق في المصر