إن المهالبة الذين «١» تحملوا دفع المكاره عن ذوي المكروه
زانوا قديمهم بحسن حديثهم «٢»
وكريم أخلاق وحسن وجوه
قدم جرير على عمر بن عبد العزيز، وهو يتولى المدينة، فأنزله في دار، وبعث إليه بجارية تخدمه، فقالت له: إني أراك شعثا، فهل لك في الغسل؟ فجاءته بغسل وماء، فقال لها: تنحي عني، ثم اغتسل. ثم قدم الفرزدق فأنزله دارا وبعث إليه بجارية، فعرضت عليه مثل ذلك، فوثب عليها، فخرجت إلى عمر، فنفاه من المدينة، وأجله ثلاثا، ففي ذلك يقول «٣»
:
توعّدني وأجّلني ثلاثا كما لبثت «٤» لمهلكها ثمود
فبلغ ذلك جرير فقال «٥»
:
نفاك الأغرّ ابن عبد العزيز بحقك «٦» تنفى عن المسجد
وشبّهت نفسك أشقى ثمود فقالوا: ضللت ولم تهتد
وقد أخروا «٧»
حين حلّ العذاب ثلاث ليال إلى الموعد
قدم «٨»
الفرزدق المدينة في سنة جدبة، فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ أميرها فقالوا: إن الفرزدق قدم في هذه السنة الجدبة التي قد حلقت «٩» أموالها، وليس عند أحد ما يعطيه، فلو أن الأمير بعث إليه وأرضاه، وتقدم إليه ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء. [فبعث إليه عمر: إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة، وليس