للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ثقات، والطبراني في الثلاثة واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح الإسناد". نقول: لقد فطر الإنسان على حب كل ما يأنس به، ويعتمد عليه، ويلجا إليه، ويثق به. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوية: ٢٤].
ومن أجل اقرار آصرة العقيدة أخذ في "استعراض ألوان المطامع والوشائج واللذائذ، ليضعها كلها في كفة، ويضع العقيدة ومقتضياتها في الكفة الأخرى: الآباء، والأبناء، والإخوان، والأزواج، والعشيرة (وشيجة الدم والنسب والقرابة والزواج)، والأموال والتجارة (مطمع الفطرة ورغبتها)، والمساكن المريحة (متاع الحياة ولذتها).
وفي الكفة الأخرى حب الله ورسوله، وحب الجهاد في سبيله. الجهاد بكل مقتضياته وبكل مشقاته وما يتبعه من جراح واستشهاد- وهو بعد هذا كله (الجهاد في سبيل الله) مجرداً من الصيت والذكر والظهور. مجرداً من المباهاة والفخر والخيلاء، مجرداً من احساس أهل الأرض به، وإشارتهم إليه، وإشادتهم بصاحبه، وإلا فلا أجر عليه ولا ثواب ...
وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده، وإنما تطالب به الجماعة المسلمة، والدولة المسلمة، فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة ترتفع على مقتضيات العقيدة في الله، ومقتضيات الجهاد في سبيل الله.
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف إلا وهو يعلم أن فطرتها تطيقه، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنه لمن رحمة الله بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال، وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها: لذة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء ... ". الظلال ١٠/ ١٤٣ - ١٤٤، وانظر مسند الموصلي ٦/ ١٣٦ حيث علقنا على الحديث (٣٤٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>