للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنْكَرَهُ الْإِمَامَانِ الْمَذْكُورَانِ وَغَيْرُهُمَا، فَإِذَا اسْتَوْعَبْت النَّظَرَ لِمَ تَرَتَّبَ فِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ عَلَى الْقَتْلِ أَشَدُّ حَالًا مِنْ الْمَرِيضِ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ غَفْلَةٌ فِي النَّظَرِ؛ فَإِنَّ سَبَبَ الْمَوْتِ مَوْجُودٌ عِنْدَهُمَا، كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ سَبَبُ الْمَوْتِ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [آل عمران: ١٤٣]

وَهِيَ: الْآيَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ السُّورَةِ، وَذُكِرَتْ هَاهُنَا لِاقْتِضَاءِ الْقَوْلِ إيَّاهَا، وَإِنَّمَا رَأَوْا أَسْبَابَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ رُوَيْشِدُ الطَّائِيُّ:

يَا أَيُّهَا الرَّاكِبُ الْمُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ

وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعُذْرِ وَالْتَمِسُوا ... قَوْلًا يُبَرِّئْكُمْ إنِّي أَنَا الْمَوْتُ

وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَهِيَ: الْآيَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ السُّورَةِ اقْتَضَاهَا الْقَوْلُ هَاهُنَا: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: ١٠] {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: ١١]

فَكَيْفَ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْحَالَةَ الشَّدِيدَةَ إنَّمَا هِيَ الْمُبَارَزَةُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ مُنَازَلَةِ الْعَدُوِّ، وَتَدَانِي الْفَرِيقَيْنِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ الْعُظْمَى مِنْ بُلُوغِ الْقُلُوبِ الْحَنَاجِرَ، وَمِنْ سُوءِ الظُّنُونِ بِاَللَّهِ، وَمِنْ زَلْزَلَةِ الْقُلُوبِ وَاضْطِرَابِهَا، هَلْ هَذِهِ الْحَالُ تُرَى عَلَى الْمَرِيضِ أَمْ لَا؟ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يَشُكُّ فِيهِ مُنْصِفٌ.

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا لِمَنْ ثَبَتَ فِي اعْتِقَادِهِ، وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَشَاهَدَ الرَّسُولَ وَآيَاتِهِ، فَكَيْفَ بِنَا؟ وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَنَا خَبَرٌ مِنْ الْأَخْبَارِ لَمْ يَعْرِفْهُ إلَّا الْأَحْبَارُ، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>