ذَيْنِ وَالْإِنْذَارِ فِي سِوَاهُمَا مَعْنًى. وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ الْبَلِيدُ وَالْمُرْتَابُ بِعَدَمِ فَهْمِهِنَّ، فَيُقَالُ: إيهٍ اُنْظُرْ إلَى
التَّقْسِيمِ، إنْ كُنْت تُرِيدُ التَّسْلِيمَ لَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ حَيَّةً جِنِّيَّةً أَوْ أَصْلِيَّةً، فَإِنْ كَانَتْ جِنِّيَّةً فَهِيَ أَفْهَمُ مِنْك، وَإِنْ كَانَتْ أَصْلِيَّةً فَصَاحِبُ الشَّرْعِ أَذِنَ فِي الْخِطَابِ، وَلَوْ كَانَ لِمَنْ لَا يَفْهَمُ لَكَانَ أَمْرًا بِالتَّلَاعُبِ. وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ. فَإِنْ شَكَّ فِي النُّبُوَّةِ، أَوْ فِي خَلْقِ الْجِنِّ، أَوْ فِي صِفَةٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَلْيَنْظُرْ فِي الْمُقْسِطِ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْمُشْكِلَيْنِ يُعَايِنُ الشِّفَاءَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَحْتَاجُ الْإِنْذَارُ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَانِّ وَالْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَفَّ فَهُوَ جِنٌّ مُؤْمِنٌ، وَإِلَّا كَانَ كَافِرًا أَوْ حَيَوَانًا.
قُلْنَا: أَمَّا الْحَيَوَانُ فَقَدْ جُعِلَتْ لَهُ عَلَامَةٌ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ خُصَّ بِالْإِنْذَارِ؛ وَالْحَيَوَانُ يَفْهَمُ بِالْإِنْذَارِ كَمَا يَفْهَمُ بِالزَّجْرِ؛ وَلِهَذَا تُؤَدَّبُ الْبَهِيمَةُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. .
[الْآيَة الثَّانِيَة قَوْله تَعَالَى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا]
} [الجن: ١٨]
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْأَرْضُ كُلُّهَا لِلَّهِ مُلْكًا وَخَلْقًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأعراف: ١٢٨]. وَالْمَسَاجِدُ لِلَّهِ رِفْعَةً وَتَشْرِيفًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] وَالْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ تَخْصِيصًا وَتَعْظِيمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: ١٢٥].
وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ: " وَالْقَائِمِينَ " فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدًا [كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا] وَطَهُورًا» وَاصْطَفَى مِنْهَا مَوَاضِعَ ثَلَاثًا بِصِفَةِ الْمَسْجِدِيَّةِ، وَهِيَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى وَهُوَ مَسْجِدُ إيلِيَاءَ، وَمَسْجِدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَاصْطَفَى مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي قَوْلٍ، وَمَسْجِدَ النَّبِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute