وَاعْتِبَارُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَحْدَهُ مُبْطِلٌ لِهَذَا كُلِّهِ، فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُرَاعَى؟ وَأَيُّ الْحَالَيْنِ أَقْوَى أَنْ يُعْتَبَرَ؟ فَإِنْ قِيلَ: أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ فِي أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَا يَفْتَرِقَانِ حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ كُلُّهُ. قُلْنَا: الْغَالِبُ ضِدُّهُ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الشُّهُودِ حَتَّى يَقُومَ الْمُتَعَاقِدَانِ؟ هَذَا لَمْ يُعْهَدْ وَلَمْ يُتَّفَقْ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهَذَا خُرُوجٌ عَنْ الْقُرْآنِ إلَى الْأَخْبَارِ وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِمَا يَجِبُ، فَلَا نُدْخِلُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: هَذَا نَصٌّ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ لِفَوَاتِ الرِّضَا فِيهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى إبْطَالِ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا حَمْلًا عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩]: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: لَا تَقْتُلُوا أَهْلَ مِلَّتِكُمْ. الثَّانِي: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. الثَّالِثُ: لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِفِعْلِ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ؛ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
وَكُلُّهَا صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَقْعَدَ مِنْ بَعْضٍ فِي الدِّينِ مِنْ اللَّفْظِ وَاسْتِيفَاءِ الْمَعْنَى. وَاَلَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِفِعْلِ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ تَحْتَهُ، وَلَكِنَّ هَاهُنَا دَقِيقَةٌ مِنْ النَّظَرِ؛ وَهِيَ أَنَّ هَذَا الَّذِي اخْتَرْنَاهُ يَسْتَوْفِي الْمَعْنَى، وَلَكِنَّهُ مَجَازٌ فِي لَفْظِ الْقَتْلِ، وَعَلَى حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى صَرِيحِ الْقَتْلِ يَكُونُ قَوْلُهُ: {أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] مَجَازًا أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْمَجَازِ فَمَجَازٌ يَسْتَوْفِي الْمَعْنَى وَيَقُومُ بِالْكُلِّ أَوْلَى؛ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: ١١]، فَتَدَبَّرُوهُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute