للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجْهَ لَهُ فِي النَّظَرِ وَلَا أَثَرَ فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَصُومُ حَيْثُ شَاءَ فَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالصَّائِمِ، فَتَكُونُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَصِيَامِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهَا.

وَأَمَّا وَجْهُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّعَامَ يَكُونُ بِمَكَّةَ فَلِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الْهَدْيِ أَوْ نَظِيرٌ لَهُ؛ وَالْهَدْيُ حَقٌّ لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ؛ فَلِذَلِكَ يَكُونُ بِمَكَّةَ بَدَلَهُ أَوْ نَظِيرَهُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، فَإِنَّهُ اعْتِبَارٌ بِكُلِّ طَعَامٍ وَفِدْيَةٍ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِكُلِّ مَوْضِعٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥]

قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْعَدْلُ وَالْعِدْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا: هُوَ الْمِثْلُ، وَيُؤْثَرُ عَنْ السَّكَّاكِيِّ أَنَّهُ قَالَ: عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ مِثْلُهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَأَرَادَ أَوْ يَصُومُ صَوْمًا مُمَاثِلًا لِلطَّعَامِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُمَاثِلَ الطَّعَامُ الطَّعَامَ فِي وَجْهٍ أَقْرَبَ مِنْ الْعَدَدِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.

وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: يَصُومُ عَلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ فِي الطَّعَامِ لَا عَلَى عَدَدِ الْأَمْدَادِ الْأَشْهُرِ، وَهُوَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، وَالْكَافَّةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِالْأَمْدَادِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدَّيْنِ يَوْمًا اعْتِبَارًا بِفِدْيَةِ الْأَذَى. وَاعْتِبَارُ الْكَفَّارَةِ بِالْفِدْيَةِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نُظَرَائِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إنَّمَا يُفْتَقَرُ إلَى الْحَكَمَيْنِ فِي مَوْضِعَيْنِ؛ فِي الْجَزَاءِ مِنْ النَّعَمِ، وَالْإِطْعَامِ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي الْحَالِ كُلِّهَا، وَهِيَ تَنْحَصِرُ فِي مَوَاضِعَ سَبْعَةٍ:

الْأَوَّلُ: هَلْ يُحْكَمُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ أَوْ فِي الْعَمْدِ وَحْدَهُ؟

الثَّانِي: هَلْ يُحْكَمُ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ كَمَا يَكُونُ فِي الْإِحْرَامِ؟

الثَّالِثُ: هَلْ يُحْكَمُ بِالْجَزَاءِ حَيَوَانًا أَوْ قِيمَةً؟

<<  <  ج: ص:  >  >>