[مَسْأَلَةٌ مِقْدَار الرَّضَاعَة الْمُحْرِم]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ وَهِيَ الْمَصَّةُ». وَرَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ فَنُسِخَتْ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ. فَقَالَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ. وَرَأَى مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْأَخْذَ بِمُطْلَقِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّقٌ بِهِ، وَقَدْ قَوِيَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْرِيمِ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْحَوْطَةِ عَلَى الْفُرُوجِ؛ فَقَدْ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ لِمَنْ يَرَى الْعُمُومَ وَمَنْ لَا يَرَاهُ. وَقَدْ رَامَ بَعْضُ حُذَّاقِ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الْإِمَامُ الْجُوَيْنِيُّ أَنْ يُبْطِلَ التَّعَلُّقَ بِهَذَا الْعُمُومِ؛ قَالَ: لِأَنَّهُ سِيقَ لِيَتَبَيَّنَّ بِهِ وَجْهُ التَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّعْمِيمُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ إذَا سِيقَ قَصْدًا لِلْعُمُومِ؛ وَذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ. قَالَ الْقَاضِي: يَا لِلَّهِ وَلِلْمُحَقِّقِينَ مِنْ رَأْسِ التَّحْقِيقِ الْجُوَيْنِيُّ، يَأْتِي بِهَذَا الْكَلَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ نَاظِرٍ فِي الْفِقْهِ شَادٍّ أَوْ مُنْتَهٍ أَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ كُلَّهَا فِي الْآيَةِ جَاءَتْ مَجِيئًا وَاحِدًا فِي الْبَيَانِ فِي مَقْصُودٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] لَمَا حُمِلَ أَيْضًا عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ: {أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] فَيُرْتَقَى بِهِنَّ إلَى الْجَدَّاتِ، وَلَا بَنَاتُكُمْ فَيَحُطُّ بِهِنَّ إلَى بَنَاتِ الْبَنَاتِ، وَقَدْ رَأَى أَنَّهُنَّ لَمْ يَعُمَّهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ وَعَمَّهُنَّ هَاهُنَا فِي التَّحْرِيمِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute