للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَادِرِ، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يَشَأْ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَهُوَ لَا يَشَاءُ الْمَعَاصِيَ، كَمَا يَقُولُونَ، إذَنْ كَانَ يَكُونُ الْحَالِفُ كَاذِبًا حَانِثًا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ حَقَّك إنْ عِشْت غَدًا، فَعَاشَ فَلَمْ يُعْطِهِ كَانَ حَانِثًا كَاذِبًا.

وَعِنْدَ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ لِإِعْطَاءِ هَذَا الْحَالِفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ أَمْرُهُ، وَقَدْ عُلِمَ حُصُولُ أَمْرِهِ بِذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءُ الْحَالِفِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْمَعْلُومِ حُصُولُهُ بِمَنْزِلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْحَالِفِ بِكُلِّ مَعْلُومٍ حُصُولُهُ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ حَقَّك إنْ أَمَرَنِي اللَّهُ غَدًا بِذَلِكَ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، بَيْدَ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ أَرَادَ إعْطَاءَ حَقِّ هَذَا إرَادَةً مُتَقَدِّمَةً لِلْأَمْرِ بِهِ، وَبِذَلِكَ صَارَ الْأَمْرُ أَمْرًا، وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْحَالِفُ كَاذِبٌ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، حَانِثٌ.

وَقَدْ زَعَمَ الْبَغْدَادِيُّونَ أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ هِيَ تَقِيَّةُ الْعَبْدِ إلَى غَدٍ وَتَأْخِيرُهُ لَهُ، وَرَفْعُ الْعَوَائِقِ عَنْهُ. وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَوَجَبَ إذَا أَصْبَحَ الْحَالِفُ حَيًّا بَاقِيًا سَالِمًا مِنْ الْعَوَائِقِ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا حَانِثًا إذَا لَمْ يُعْطِهِ حَقَّهُ.

وَقَدْ قَالُوا: إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْحِنْثُ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ رُخْصَةً مِنْ الشَّرْعِ.

قُلْنَا: حَكَمَ الشَّرْعُ بِسُقُوطِ الْحَرَجِ وَالْحِنْثِ عَنْهُ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَقَائِهِ عَلَيْهِ إذَا قَالَ: إنْ أَبْقَانِي اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَيِّنٌ مَعْنًى، كَمَا هُوَ بَيِّنٌ لَفْظًا؛ إذْ لَوْ كَانَ مَعْنًى وَاحِدًا لَمَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إلْجَائِي إلَيْهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ أَلْجَأَهُ إلَيْهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ التَّكْلِيفُ فِيهِ بِالْإِلْزَامِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ عِنْدَهُمْ مُحَالٌ، فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِمْ بِحَالٍ.

وَقَدْ بَسَطْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ بِأَعَمَّ مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ.

[الْآيَة الرَّابِعَة قَوْله تَعَالَى وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ]

الْآيَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا - قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: ٢٥ - ٢٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>