الرُّوحِ، فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَعَلِمْت أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ، فَقُمْت مَقَامِي، فَلَمَّا نَزَلَ الْوَحْيُ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ عَنْ " الرُّوحِ " الْآيَةَ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَمْ يَأْتِهِ فِي ذَلِكَ جَوَابٌ، وَقَدْ قَالَ بَكْرُ بْنُ مُضَرَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ: إنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: سَلُوهُ عَنْ الرُّوحِ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ فَهُوَ نَبِيٌّ، فَسَأَلُوهُ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ.
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَتَكَلَّمُونَ مَعَ الْخَلْقِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ، وَلَا يُفِيضُونَ مَعَهُمْ فِي الْمُشْكِلَاتِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ فِي الْبَيِّنِ مِنْ الْأُمُورِ الْمَعْقُولَاتِ، وَالرُّوحُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى جَعَلَهُ اللَّهُ فِي الْأَجْسَامِ، فَأَحْيَاهَا بِهِ، وَعَلِمَهَا وَأَقْدَرَهَا، وَبَنَى عَلَيْهَا الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةَ، وَالْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ، وَقَابَلَهَا بِأَضْدَادِهَا لِنُقْصَانِ الْآدَمِيَّةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ إنْكَارَهَا لَمْ يَقْدِرْ لِظُهُورِ آثَارِهَا، وَإِذَا أَرَادَ مَعْرِفَتَهَا وَهِيَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ لَمْ يَسْتَطِعْ؟؛ لِأَنَّهُ قَصُرَ عَنْهَا وَقَصُرَ بِهِ دُونَهَا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ سُبْحَانَهُ رَكَّبَ ذَلِكَ فِيهِ عِبْرَةً، كَمَا قَالَ: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: ٢١] لِيَرَى أَنَّ الْبَارِئَ تَعَالَى لَا يُقْدَرُ عَلَى جَحْدِهِ لِظُهُورِ آيَاتِهِ فِي أَفْعَالِهِ:
فَفِي كُلِّ شَيْءٍ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَاحِدٌ
وَلَا يُحِيطُ بِهِ لِكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ، فَإِذَا وَقَفَ مُتَفَكِّرًا فِي هَذَا نَادَاهُ الِاعْتِبَارُ: لَا تَرْتَبْ، فَفِيك مِنْ ذَلِكَ آثَارٌ، اُنْظُرْ إلَى مَوْجُودٍ فِي إهَابِك لَا تَقْدِرُ عَلَى إنْكَارِهِ لِظُهُورِ آثَارِهِ، وَلَا تُحِيطُ بِمِقْدَارِهِ، لِقُصُورِك عَنْهُ فَيَأْخُذُهُ الدَّلِيلُ، وَتَقُومُ لِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَيْهِ.
[الْآيَة التَّاسِعَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ]
ٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا} [الإسراء: ١٠١]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute