وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهُ أَكْلُ الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَكَأَنَّهُ عَكْسُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحَرَامَ يَتَنَاوَلُهُ بِيَدِهِ فَيَحْمِلُهُ إلَى لِسَانِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ يَبْدَؤُهَا بِلِسَانِهِ وَيَحْمِلُهَا إلَى يَدِهِ، وَيَرُدُّهَا إلَى لِسَانِهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ كِنَايَةٌ عَمَّا بَيْنَ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، فَهُوَ أَصْلٌ فِي الْمَجَازِ حَسَنٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: ١٢] فَهُوَ نَصٌّ فِي إيجَابِ الطَّاعَةِ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ، إمَّا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا [مَعْنَى] تَخْصِيصِ قَوْلِهِ: {فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة: ١٢] وَقُوَّةُ قَوْلِهِ: {وَلا يَعْصِينَكَ} [الممتحنة: ١٢] يُعْطِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ فِي وَظَائِفِ الشَّرِيعَةِ، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمَعْنَى عَلَى التَّأْكِيدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: ١١٢] لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ " اُحْكُمْ " لَكَفَى.
الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ الْمَعْرُوفَ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى يَكُونَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَأَلْزَمُ لَهُ، وَأَنْفَى لِلْإِشْكَالِ فِيهِ.
وَفِي الْآثَارِ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ».
[مَسْأَلَة هَلْ الطَّاقَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ]
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا بَايَعَ النِّسَاءَ عَلَى هَذَا قَالَ لَهُنَّ: فِيمَا أَطَقْتُنَّ فَيَقُلْنَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا».
وَهَذَا بَيَانٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَقِيقَةِ الْحَالِ؛ فَإِنَّ الطَّاقَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، مَرْفُوعٌ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ مَا نَافَ عَلَيْهَا، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَوَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحِ قَالَتْ: «بَايَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَرَأَ عَلَيْنَا: أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا، وَنَهَانَا عَنْ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتْ امْرَأَةٌ عَلَى يَدِهَا وَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا. فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ فَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا»، فَيَكُونُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute