الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] فَدَعْوَى، فَإِنَّ شُرُوطَ النُّسَخِ مَعْدُومَةٌ فِيهَا، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنْ دَعَوْكَ إلَى الصُّلْحِ فَأَجِبْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِيهِ؛ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: ٣٥].
فَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عِزَّةٍ، وَفِي قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ، وَمَقَانِبَ عَدِيدَةٍ، وَعُدَّةٍ شَدِيدَةٍ: فَلَا صُلْحَ حَتَّى تُطْعَنَ الْخَيْلُ بِالْقَنَا، وَتُضْرَبَ بِالْبِيضِ الرِّقَاقِ الْجَمَاجِمُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ مَصْلَحَةٌ فِي الصُّلْحِ لِانْتِفَاعٍ يُجْلَبُ بِهِ، أَوْ ضُرٍّ يَنْدَفِعُ بِسَبَبِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ، وَأَنْ يُجِيبُوا إذَا دُعُوا إلَيْهِ وَقَدْ صَالَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى شُرُوطٍ نَقَضُوهَا، فَنَقَضَ صُلْحَهُمْ، وَقَدْ وَادَعَ الضَّمْرِيُّ، وَقَدْ صَالَحَ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ، وَأَهْلَ نَجْرَانَ، وَقَدْ هَادَنَ قُرَيْشًا لِعَشَرَةِ أَعْوَامٍ حَتَّى نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَمَا زَالَتْ الْخُلَفَاءُ وَالصَّحَابَةُ عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ الَّتِي شَرَعْنَاهَا سَالِكَةً، وَبِالْوُجُوهِ الَّتِي شَرَحْنَاهَا عَامِلَةً.
[مَسْأَلَة هَلْ عَقْدُ الصُّلْحِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: عَقْدُ الصُّلْحِ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِهِمْ أَجْمَعِينَ: إذْ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ، فَيَقُولَ: نَبَذْت إلَيْكُمْ عَهْدَكُمْ، فَخُذُوا مِنِّي حِذْرَكُمْ، وَهَذَا عِنْدِي إذَا كَانُوا هُمْ الَّذِينَ طَلَبُوهُ؛ فَإِنْ طَلَبَهُ الْمُسْلِمُونَ لِمُدَّةٍ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ قَبْلَهَا إلَّا بِاتِّفَاقٍ.
[مَسْأَلَة هَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَقْدُ الصُّلْحِ بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لِلْعَدُوِّ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَيَجُوزُ عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلْمُسْلِمِينَ عَقْدُ الصُّلْحِ بِمَالٍ يَبْذُلُونَهُ لِلْعَدُوِّ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مُوَادَعَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَغَيْرِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ السَّعْدَانِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute