للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثَةُ: رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَتَى مَكَّةَ أَتَى رَضْمًا مِنْ حِجَارَةٍ أَوْ رَسْمًا أَوْ قَبْرًا، فَجَلَسَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ مُسْتَغْفِرًا. فَقَالَ: إنِّي اسْتَأْذَنْت رَبِّي فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّي، فَأَذِنَ لِي، وَاسْتَأْذَنْته فِي الِاسْتِغْفَارِ لَهَا، فَلَمْ يَأْذَنْ لِي فَمَا رُئِيَ بَاكِيًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ».

وَرُوِيَ «أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ قَبْرِهَا حَتَّى سَخِنَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ رَجَاءَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَيَسْتَغْفِرَ لَهَا، حَتَّى نَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة: ١١٣] إلَى قَوْلِهِ: {تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: ١١٤]».

الرَّابِعَةُ: رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّ مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْجِوَارَ، وَيَصِلُ الْأَرْحَامَ، أَفَلَا نَسْتَغْفِرُ لَهُمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة: ١١٣]».

الْخَامِسَةُ: رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «سَمِعْت رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِأَبَوَيْهِ، فَقُلْت: تَسْتَغْفِرُ لَهُمَا، وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ، فَذَكَرْته لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ} [التوبة: ١١٣]». وَهَذِهِ أَضْعَفُ الرِّوَايَاتِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: ١١٣]: دَلِيلٌ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً، فَنَهَى اللَّهُ النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةَ وَيُخْبَرُ بِهِ عَمَّا فَعَلَ النَّبِيُّ، وَيُنْهَى الْمُؤْمِنُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، تَأْكِيدًا لِلْخَبَرِ؛ وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ مُحْتَمَلَاتٌ.

[مَسْأَلَة طَلَب الْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّرَ أَلَّا تَكُونَ؛ وَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَسُؤَالِ مَا قَدَّرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ هُنَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ كَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ، وَشَجُّوا وَجْهَهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ». فَسَأَلَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>