وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ، كَاتِبْنِي، فَقَالَ السَّيِّدُ: لَمْ أَعْلَمْ فِيك خَيْرًا، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ؛ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَيْهِ، وَيُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي بَابِهِ.
الثَّالِثُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: مَالُ الْعَبْدِ وَأَكْسَابُهُ مِلْكُ السَّيِّدِ، وَرَقَبَتُهُ مِلْكٌ لَهُ؛ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: خُذْ كَسْبِي وَخَلِّصْ رَقَبَتِي فَهُوَ يُطَالِبُهُ بِتَفْوِيتِ مِلْكِهِ عَنْهُ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: أَعْتِقْنِي.
وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ كَلَامٌ قَوِيٌّ فِي الْبَابِ عَلَى مُثْبِتِي الِاجْتِهَادِ؛ وَمَنْ رَدَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْقُدْرَةُ عَلَى السَّعْيِ وَالِاكْتِسَابِ؛ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
الثَّانِي: أَنَّ الْخَيْرَ الْمَالُ؛ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْوَفَاءُ وَالصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ؛ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الثَّانِي.
فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْمَالُ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ بِحُسْنِ السَّعْيِ وَالِاكْتِسَابِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُنَجَّمٌ يَجْتَمِعُ فِي مُدَّةِ الْأَجَلِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الصِّدْقُ وَالْأَمَانَةُ فَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى مَعْنًى هُوَ مَشْرُوطٌ فِي كُلِّ طَاعَةٍ وَفِعْلٍ، فَلَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الْكِتَابَةَ بِاشْتِرَاطِهِ وَحْدَهَا.
[مَسْأَلَة كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ قَاطَعَهُ عَلَيْهِ نُجُومًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:
إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مَالِ قَاطَعَهُ عَلَيْهِ نُجُومًا، فَإِنْ جَعَلَهُ حَالًّا فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا بِاخْتِلَافِهِمْ.
وَالصَّحِيحُ فِي النَّظَرِ أَنَّ الْكِتَابَةَ مُؤَجَّلَةٌ، كَمَا وَرَدَ بِهَا الْأَثَرُ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ حِينَ كَاتَبَتْ أَهْلَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ. وَكَمَا فَعَلَتْ الصَّحَابَةُ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ