للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحْلِفُ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَلَا يُبَرِّئُهُ مِنْهَا إلَّا إيجَادُ الْبَرَاءَةِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْأَمَانَاتِ الَّتِي تَكُونُ مُسْتَحْفَظَةً عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ: فِي الْفُرُوعِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:

تَرَكَّبَتْ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ مَسْأَلَةٌ؛ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْكَرْمِ وَالْفُرُوعِ وَالنَّخْلِ مُطْلَقًا، ثُمَّ فَسَّرَ النِّصَابَ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ. فَمَنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، أَوْ مِنْ زَبِيبٍ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهَا، فَإِنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَمْ تَلْزَمْهُ زَكَاتُهُ إجْمَاعًا فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ مُخْتَلِفَانِ. فَإِنْ حَصَلَ لَهُ مِنْ طَعَامٍ بُرٍّ وَشَعِيرٍ مَعًا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ زَكَّاهُمَا [مَعًا] عِنْدَ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْمَعَانِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَنْوَاعٌ كُلُّهَا يُعْتَبَرُ النِّصَابُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الِانْفِرَادِ؛ لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الِاسْمِ الْخَاصِّ؛ وَفِي حَالَةِ الطَّعْمِ.

وَالصَّحِيحُ ضَمُّهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا قُوَّتَانِ يَتَقَارَبَانِ، فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الِاسْمِ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَلَا تُسْرِفُوا إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: ١٤١] الْإِسْرَافُ: هُوَ الزِّيَادَةُ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تُسْرِفُوا فِي الْأَكْلِ بِزِيَادَةِ الْحَرَامِ عَلَى مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تُسْرِفُوا فِي أَخْذِ زِيَادَةٍ عَلَى حَقِّكُمْ، وَهُوَ التِّسْعَةُ الْأَعْشَارُ، حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ، وَأَدُّوا مَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْكُمْ بِالْخَرْصِ أَوْ بِالْجِذَاذِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْآيَة الثَّالِثَةُ عَشْرَة قَوْله تَعَالَى قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا]

الْآيَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ١٤٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>