للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ مَالِهِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَجْزَأَهُ إخْرَاجُ الثُّلُثِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْكُلِّ، وَتَعَلَّقَ مَالِكٌ بِقِصَّةِ أَبِي لُبَابَةَ فِي أَنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْجَمِيعِ إلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا كَانَ قَوِيًّا لَوْلَا أَنَّهُ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَمْسِكْ عَلَيْك بَعْضَ مَالِك مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ.

وَقَدْ نَاقَضَ عُلَمَاؤُنَا؛ فَقَالُوا: إنَّهُ إذَا كَانَ مَالُهُ مُعَيَّنًا دَابَّةً أَوْ دَارًا أَوْ ضَيْعَةً فَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا مَضَى، وَهَذِهِ صَدَقَةٌ بِالْكُلِّ، فَتَخَمَّشَ وَجْهُ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ يَتَبَلَّجْ مِنْهُ وَضَحٌ، وَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَالْحَقُّ يُعَوِّدُ صَدَقَةَ الْكُلِّ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْآيَة السَّابِعَة وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ]

ِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: ١٠٤].

هَذِهِ الْآيَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْآخِذُ لِلصَّدَقَاتِ، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ، وَالنَّبِيُّ وَاسِطَةٌ، فَإِنْ تُوُفِّيَ فَعَامِلُهُ هُوَ الْوَاسِطَةُ، وَاَللَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ كَمَا قَالَتْ الْمُرْتَدَّةُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ الصَّدَقَةَ لَتَقَعُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي كَفِّ السَّائِلِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ، وَاَللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ».

وَكَنَّى بِكَفِّ الرَّحْمَنِ عَنْ الْقَبُولِ؛ إذْ كُلُّ قَابِلٍ لِشَيْءٍ يَأْخُذُهُ بِكَفِّهِ، أَوْ يُوضَعُ لَهُ فِيهِ، كَمَا كَنَّى بِنَفْسِهِ عَنْ الْمَرِيضِ تَعَطُّفَا عَلَيْهِ بِقَوْلِ: " يَقُولُ اللَّهُ عَبْدِي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي " حَسْبَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

[الْآيَة الثَّامِنَة وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا]

وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: ١٠٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>