الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: ٣٧] يَعْنِي مِنْ نِكَاحِك لَهَا. فَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَعْلَمَهُ بِأَنَّهَا تَكُونُ مِنْ أَزْوَاجِهِ.
وَقِيلَ: تُخْفِي فِي نَفْسِك مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ مِنْ مَيْلِك إلَيْهَا وَحُبِّك لَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: ٣٧] فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: تَسْتَحِي مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، وَتَسْتَحِي مِنْهُ. وَالْخَشْيَةُ بِمَعْنَى الِاسْتِحْيَاءِ كَثِيرَةٌ فِي اللُّغَةِ.
الثَّانِي: تَخْشَى النَّاسَ أَنْ يُعَاتِبُوك، وَعِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ.
الثَّالِثُ: وَتَخْشَى النَّاسَ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِيك.
وَقِيلَ: أَنْ يُفْتَتَنُوا مِنْ أَجْلِك، وَيَنْسُبُوك إلَى مَا لَا يَنْبَغِي. وَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَإِنَّهُ مَالِكُ الْقُلُوبِ، وَبِيَدِهِ النَّوَاصِي وَالْأَلْسِنَةُ.
[مَسْأَلَة عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ وَتَصْحِيحِ الْحَالِ:
قَدْ بَيَّنَّا فِي السَّالِفِ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عِصْمَةَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - مِنْ الذُّنُوبِ، وَحَقَّقْنَا الْقَوْلَ فِيمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَعَهِدْنَا إلَيْكُمْ عَهْدًا لَنْ تَجِدُوا لَهُ رَدًّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نَبِيًّا إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ، لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَخْبَارَهُمْ مَرْوِيَّةٌ، وَأَحَادِيثَهُمْ مَنْقُولَةٌ بِزِيَادَاتٍ تَوَلَّاهَا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا غَبِيٌّ عَنْ مِقْدَارِهِمْ، وَإِمَّا بِدْعِيٌّ لَا رَأْيَ لَهُ فِي بِرِّهِمْ وَوَقَارِهِمْ، فَيَدُسُّ تَحْتَ الْمَقَالِ الْمُطْلَقِ الدَّوَاهِي، وَلَا يُرَاعِي الْأَدِلَّةَ وَلَا النَّوَاهِيَ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: ٣]، أَيْ أَصْدَقُهُ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي أَمَالِي أَنْوَارِ الْفَجْرِ.
فَهَذَا مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عَصَى قَطُّ رَبَّهُ، لَا فِي حَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَا بَعْدَهَا، تَكْرِمَةً مِنْ اللَّهِ وَتَفَضُّلًا وَجَلَالًا، أَحَلَّهُ بِهِ الْمَحَلَّ الْجَلِيلَ الرَّفِيعَ، لِيَصْلُحَ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ عَلَى كُرْسِيِّهِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْقَضَاءِ يَوْمَ الْحَقِّ.
وَمَا زَالَتْ الْأَسْبَابُ الْكَرِيمَةُ، وَالْوَسَائِلُ السَّلِيمَةُ تُحِيطُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute