وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَازَعَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا تَرَى مِنْ هَاهُنَا مِنْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، مَا أَنْتَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ» يَعْنِي إلَّا بِالتَّقْوَى، وَنَزَلَتْ: {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: ١١]. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ، كَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْدَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ كَسْبٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ، فَجَوَّزَتْهُ الْأُمَّةُ، فَاتَّفَقَ عَلَى قَوْلِهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ.
وَقَدْ وَرَدَ لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَا أَرْضَاهُ، كَقَوْلِهِمْ فِي صَالِحٍ جَزَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّفَ زَجَرَهُ فَنُقِّبَ بِهَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي مُحَمَّدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ مُطَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي طِينٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا غَلَبَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا أَرَاهُ سَائِغًا فِي الدِّينِ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنُ رَبَاحٍ الْمِصْرِيُّ يَقُولُ: لَا أَجْعَلُ أَحَدًا
صَغَّرَ اسْمَ أَبِي فِي حِلٍّ. وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى اسْمِ أَبِيهِ التَّصْغِيرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ. وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا كُلَّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ الْإِذَايَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْآيَة السَّادِسَة قَوْله تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ]
الْآيَةُ السَّادِسَةُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: ١٢].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي حَقِيقَةِ الظَّنِّ. وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ حَقِيقَةَ الظَّنِّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ فِي النَّفْسِ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ عَلَى الْآخَرِ. وَالشَّكُّ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِوَائِهِمَا. وَالْعِلْمُ هُوَ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَتَعْيِينُ الْآخَرِ. وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute