وَأَمَّا غَيْرُ النَّبِيِّ فَكَادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بِبَقَائِهِمْ بَعْدَهُ، كَأَبِي حَثْمَةَ وَغَيْرِهِ، بِإِرَادَتِهِمْ الرُّجُوعَ مِنْ الطَّرِيقِ حِينَ أَصَابَهُمْ الْجَهْدُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمْ الْعَطَشُ، حَتَّى نَحَرُوا إبِلَهُمْ، وَعَصَرُوا كُرُوشَهَا، فَاسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ، فَنَزَلَ الْمَطَرُ؛ وَلِهَذَا جَازَ لِلْإِمَامِ وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ اعْتَذَرَ إلَيْهِ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَالِ، وَرِفْقًا بِالْخَلْقِ، اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[الْآيَة الرَّابِعَة وَالْأَرْبَعُونَ قَوْله تَعَالَى وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا]
حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: ١١٨]. فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ، وَبَرَدَ الظِّلَالُ، وَخَرَجَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَهِيَ الْعُسْرَةُ الَّتِي افْتَضَحَ فِيهَا النَّاسُ، وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ تَخَلَّفَ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَآخَرُ مِنْ بَنِي وَاقِدٍ.
وَخَرَجَ رَجُلٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْقِي وَدِيًّا لَهُ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ لَك بِسَقْيِ وَدِيِّك هَذَا، فَقَالَ: الْغَزْوُ خَيْرٌ مِنْ الْوَدِيِّ، فَرَجَعَ، وَقَدْ أَصْلَحَ اللَّهُ وَدِيَّهُ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ هَجَرُوا كَعْبًا وَصَاحِبَيْهِ، وَلَمْ يَعْتَذِرُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعْتَذَرَ غَيْرُهُمْ.
قَالَ: فَأَقَامَ كَعْبٌ وَصَاحِبَاهُ لَمْ يُكَلِّمْهُمْ أَحَدٌ، وَكَانَ كَعْبٌ يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْحَائِطِ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنْشُدُك اللَّهَ، أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هُمْ: كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَمُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ. كَمَا تَقَدَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute