وَيَعْضُدُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: ٩٦].
فَصَيْدُهُ مَا صِيدَ وَتُكَلِّفُ أَخْذُهُ، وَطَعَامُهُ مَا طَفَا عَلَيْهِ، أَوْ جَزَرَ عَنْهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَهُ فِي السَّمَكِ خَاصَّةً، وَرَأَى أَكْلَ مَيْتَتِهِ، وَمَنَعَ مِنْ أَكْلِ الْجَرَادِ إلَّا بِذَكَاةٍ؛ قَالَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ عُمُومَ الْآيَةِ يَجْرِي عَلَى حَالِهِ حَتَّى يُخَصِّصَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، أَوْ الْآيَةُ الظَّاهِرَةُ، وَقَدْ وُجِدَ كِلَاهُمَا فِي السَّمَكِ، وَلَيْسَ فِي الْجَرَادِ حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي أَكْلِ مَيْتَتِهِ.
أَمَّا أَكْلُ الْجَرَادِ فَجَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ أَخْبَارٌ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ مَعَهُ».
وَرَوَى سَلْمَانُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هُوَ أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ، لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ»، وَلَمْ يَصِحَّ. بَيْدَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ أَكَلَتْهُ، وَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذَكَاةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ كَعْبُ: إنَّهُ نَتْرَةُ حُوتٍ. قُلْنَا: لَا يَنْبَنِي عَلَى قَوْل كَعْبٍ حُكْمٌ؛ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَمَّا يَلْزَمُنَا تَصْدِيقُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا تَكْذِيبُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.
[مَسْأَلَةُ اتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ نَجِسٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ]
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالدَّمَ} [البقرة: ١٧٣]: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الدَّمَ حَرَامٌ نَجِسٌ لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَاهُنَا مُطْلَقًا، وَعَيَّنَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ مُقَيَّدًا بِالْمَسْفُوحِ، وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ هَاهُنَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ إجْمَاعًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ؛ فَلَا تَلْتَفِتُوا فِي ذَلِكَ إلَى مَا يُعْزَى إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الدَّمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute