[الْآيَة الثَّانِيَة عَشْرَة قَوْله تَعَالَى تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ]
الْآيَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:
قَوْله تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤] فِيهَا مَسْأَلَتَانِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ، أُمَّهَاتُهَا سِتَّةٌ:
الْأَوَّلُ: دَلَالَتُهَا عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ الْعُلَا وأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى. الثَّانِي: تَذْكِرَتُهَا لِلتَّسْبِيحِ بِهَا. الثَّالِثُ: كُلُّ شَيْءٍ لَهُ يُسَبِّحُ: لَمْحُ الْبَرْقِ، وَصَرِيفُ الرَّعْدِ، وَصَرِيرُ الْبَابِ، وَخَرِيرُ الْمَاءِ. الرَّابِعُ: قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: كُلُّ ذِي رُوحٍ يُسَبِّحُ. الْخَامِسُ: قَالَ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ: الطَّعَامُ يُسَبِّحُ. السَّادِسُ: قَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ، مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ: كُلُّ شَيْءٍ يُسَبِّحُ تَسْبِيحًا لَا يَعْلَمُهُ الْآدَمِيُّونَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمُوا نَوَّرَ اللَّهُ بَصَائِرَكُمْ بِعِرْفَانِهِ أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَثُرَ الْخَوْضُ فِيهَا بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ أَوْضَحْنَاهَا فِي كِتَابِ الْمُشْكَلَيْنِ عَلَى مُقْتَضَى أَدِلَّةِ الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ؛ وَتَرْتِيبُ الْقَوْلِ هَاهُنَا أَنَّهُ لَيْسَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمَادَاتِ فَضْلًا عَنْ الْبَهَائِمِ تَسْبِيحٌ بِكَلَامٍ، وَإِنْ لَمْ نَفْقَهْهُ نَحْنُ عَنْهَا؛ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ قِيَامِ الْكَلَامِ بِالْمَحَلِّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ هَيْئَةٌ آدَمِيَّةٌ، وَلَا وُجُودُ بَلَّةٍ وَلَا رُطُوبَةٍ، وَإِنَّمَا تَكْفِي لَهُ الْجَوْهَرِيَّةُ أَوْ الْجِسْمِيَّةُ خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَإِخْوَتِهِمْ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَرَوْنَ الْهَيْئَةَ الْآدَمِيَّةَ وَالْبَلَّةَ وَالرُّطُوبَةَ شَرْطًا فِي الْكَلَامِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْأَصْلُ بِأَدِلَّتِهِ الَّتِي تَقَرَّرَتْ فِي مَوْضِعِهِ، وَبِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute