وَقِيلَ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْفَتَى نَسِيَ تَذْكِرَةَ الْمَلِكِ، فَدَامَ طُولُ مُكْثِ يُوسُفَ فِي السِّجْنِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف: ٤٥].
[مَسْأَلَة هَلْ النِّسْيَانُ مَعْصُومٌ مِنْهُ الْأَنْبِيَاء]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
[فَإِنْ قِيلَ:] إنْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى يُوسُفَ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ نِسْيَانُهُ إلَى الشَّيْطَانِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ سُلْطَانٌ؟ قُلْنَا: أَمَّا النِّسْيَانُ فَلَا عِصْمَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَنْهُ إلَّا فِي [وَجْهٍ وَاحِدٍ هُوَ] جِهَةُ الْخَبَرِ عَنْ الْإِبْلَاغِ فَإِنَّهُمْ مَعْصُومُونَ فِيهِ نِسْيَانًا وَذِكْرًا، وَإِذَا وَقَعَ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ حَيْثُ يَجُوزُ وُقُوعُهُ فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى الشَّيْطَانِ إطْلَاقًا، وَلَكِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يُخْبِرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُمْ، أَوْ يُخْبِرُونَ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لَنَا نَحْنُ ذَلِكَ فِيهِمْ. .
[مَسْأَلَة التَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
لَمَّا تَعَلَّقَ يُوسُفُ بِالْمَخْلُوقِ دَامَ مُكْثُهُ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْبِضْعُ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى عَشْرٍ، وَعَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَانَ سَبْعَ سِنِينَ، وَهِيَ مُدَّةُ بَلَاءِ أَيُّوبَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
فِيهَا جَوَازُ التَّعَلُّقِ بِالْأَسْبَابِ، وَإِنْ كَانَ الْيَقِينُ حَاصِلًا؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ بِيَدِ مُسَبِّبِهَا، وَلَكِنَّهُ جَعَلَهَا سِلْسِلَةً، وَرَكَّبَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ؛ فَتَحْرِيكُهَا سُنَّةٌ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْمُنْتَهَى يَقِينٌ. وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ نِسْبَةُ مَا جَرَى مِنْ النِّسْيَانِ إلَى الشَّيْطَانِ، كَمَا جَرَى لِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لِقَاءِ الْخِضْرِ. وَهَذَا بَيِّنٌ فَتَأَمَّلُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ: {عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]
أَطْلَقَ هَاهُنَا عَلَى السَّيِّدِ اسْمَ الرَّبِّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رَبَّهُ يُرَبِّهِ إذَا دَبَّرَهُ بِوُجُوهِ التَّغْذِيَةِ، وَحَفِظَ عَلَيْهِ مَرَاتِبَ التَّنْمِيَةِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute